سيدنا قطب ما بكي كما بكي السيد الآخر عند الجثسيماني إذ كان هو أيضا حكم عليه بالموت, فارتعد وفزع بينما كان سيدنا يلقي محاضرة علي إخوانه في الدين, قال فيها "إنهم لا يستطيعون ضرًّا ولا نفعًا.. إن الأعمار بيد بالله، وهم لا يستطيعون التحكُّم في حياتي، ولا يستطيعون إطالة الأعمار ولا تقصيرها.. كل ذلك بيد الله، والله من ورائهم محيط".
كان سيدنا محاطا بسياج من الأحبة, يسطرون كل حرف من كلام سيدنا علي دفاتر قلوبهم, لكن لا أحد يبالي بيسوع المسيح.. بكي السيد المسيح وحيدا, ودعا وحيدا وتضرع إلي الله وحيدا وصلي وحيدا.. لم يبك معه أتباعه ولم يصلوا معه فالنوم كان أهم من السيد .. قال لهم: اسهروا معي هاهنا نقيم الليل فما أطاعوه.. إذن امكثوا معي فقط, فما أطاعوه.. استعطفهم ترجاهم .. قال نفسي حزينة جدا حتي الموت فامكثوا معي, ولم يهتم به أحد ... أصيب باليأس وابتدأ يحزن ويكتئب لأنه يواجه الموت وحده .. ويرتعش من الخوف وحده هنالك عند الجثسيماني, 1 وعند الجثسيماني نري كل يوم طقل من أطفال سيدنا يواجه الموت وحيدا لكنه يبالي .. لا يخاف خوف السيد يسوع ولا يرتعش رعشة يسوع عند الجثسيماني ... طفل هنالك في البأساء مصطبر ينازل المدفع الجرار بالحجر 2 وكأنه يعطي درسا للسيد يسوع .. درسا في الإيمان .. في الصبر و في الشجاعة .. أنه طفل من أطفال سيدنا قطب
جاءت أخت السيد تحمل معها نبأ العفو عن السيد مقابل كذبة .. نظر إليها نظرة ذات مغزى, أدركت الأخت معانيها .. أدركت أنه يحبها ولكن حب الموت في سبيل الله أكبر من حبه لها, وكما توقعت قالت له " لا أقول كذبًا أبدًا إنهم لا يستطيعون ضرًّا ولا نفعًا.. إن الأعمار بيد بالله، "
وكان السيد الآخر يخر علي وجهه ساجدا يدعوا في أشد لجاجة يا الله أعبر عني هذا الكأس .. كأس الموت 3
ثم عاد إلي أتباعه فوجدهم نيام فقال لهم في حسرة
أهكذا ما قدرتم إن تسهروا معي ساعة واحدة. 4
عاد إلي الصلاة والدعاء لكنه ارتبك لشعوره بقرب الموت فعاد إلي إتباعه ومرة أخري وجدهم نياما
وعاد مرة أخري يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض 5 وظل مرتبكا حتي جاءه ملاكا من السماء يقويه 6
أما سيدنا فقد روي عنه أنه أتاه محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة إعدامه.. نزل الرسول من فرس أبيض وصافح سيدنا ثم قال له هنيئاً لك الشهادة
هنيئاً لك الشهادة يا سيدي ولك الحق ألا تخاف ولا تحزن .. أتاك الهدي فاتبعته فلك ألا تخاف ولا تحزن .. أسلمت وجهك لله محسنا فحق لك ألا تخاف ولا تحزن .. قلت ربنا الله ثم استقمت فلك ألا تخاف ولا تحزن .. ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .. آمنت واتقيت الله فجاءتك البشري في الحياة الدنيا يحملها لك المبعوث رحمة للعالمين أن هنيئا لك الشهادة يا سيد .. فافرح يا سيدي بما أتاك الله من فضله .. هنيئا لك الشهادة يا سيدي يا سمو الروح عن طيني ويا لهيب حماس في شراييني .. يا سيف عدل إذا ما الظلم حلق بنا يا طيف نصر إذا ما ديست رياحيني .. يا جذوة في فؤادي أطلقت شررا غضبي تزمجر إن ثارت براكيني .. يا عزم قلب الشجاع الحر .. ممتشقا سيفا من الحق أو ترسا من الدين 7
سيدي ما كان أقنوما ولا ثالوثا , بل كان عبدا من عباده, لكنه ما جزع وما خاف وما انهارت أعصابه كالسيد الآخر عند الجثسيماني إذ أخذ يفقد أعصابه فتارة يأمر أتباعه بالنوم وتارة يأمرهم بالهروب .. ناموا يقول استريحوا يقول لا لا بل دعونا ننطلق نهرب نفر من الموت 8
ولم يتمكن من الهروب فسيق إلي الصليب كدجاج منزوعة الريش. أما سيدنا قطب فكان يودع جلاديه بابتسامة مشرقة فرح بما أتاه الله من فضله ثم يتقدم نحو منصة الإعدام شامخ الرأس واثق الخطو حتي ظن من حوله ان الموت يفر منه رعبا بينما سيدنا مقبل عليه وذلك لأنه وجدها منصة الحياة
وجاء الموت مرة أخيرة في شكل ضابط يحمل أخر تضرع يقول
.. يا سيد.. إني قادم إليك بهدية الحياة من الرئيس – الحليم الرحيم !!! – كلمة واحدة تذيلها بتوقيعك ، ثم تطلب ما تشاء لك ولإخوانك هؤلاء . الضابط لم ينتظر الجواب ، فتح الكراس الذي بيده وهو يقول : اكتب يا أخي هذه العبارة فقط : " لقد كنت مخطئا وإني أعتذر ... " . ورفع سيد عينيه الصافيتين ، وقد غمرت وجهه ابتسامة لا توصف.. وقال للضابط في هدوء عجيب : أبدا.. لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول !
قال الضابط بلهجة يمازجها الحزن : ولكنه الموت يا سيد...
وأجاب سيد : " يا مرحب بالموت في سبيل الله .. " أتخشى أن أفر من جنات ربي .. ونطق الشهادتين وصعدت روحه .. ونطق السيد الآخر آخر الكلمتين .. لماذا تركتني .. لقد جدف السيد علي الصليب, ففي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا ايلي ايلي لما شبقتني أي الهي الهي لماذا تركتني 9 .. يئس, قنت من رحمة الله فجدف
ولكن الله لا يتخلي عن عباده المخلصين وما يجدف إلا المجرمين وعذرا لك يا سيد سيدي .. ما يكون لي إن أرتاب في إيمانك وصبرك علي الابتلاء ولكن ما أنت بذاك السيد المرعوب عند الجثسيماني يا سيدي يا مسيح الله فقد أكرمك الله أيما كرم ورفعك إليه فصلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا عيسي ابن مريم يا رسول الله ولكما حبي يا سيدي ويا سيد سيدي
محمود اباشيخ
الرجوع الي خربشات صوماليانو
---------------------------------------------------
1 من الإصحاح 26 إنجيل متى
2 شطر من قصيدة يا سيد الخلق لمحمد الأمين الهادي
3 إنجيل متى 26/39 ولوقا 22/44
4 إنجيل متي 26/40
5 لوقا 22/44
6 لوقا 22/43
7 أبيات من قصيدة يا سيدي لمحمد الأمين
8 انظر إنجيل متي 26/45-46
9 متي 27/46