الميلاد العذراوي
الدكتور منقذ السقار
لقد كانت ولادة المسيح عليه السلام من غير أب بشري إحدى أعظم معجزاته عليه السلام، وقد تعلق بها القائلون بألوهيته، يقول البابا أثناسيوس: "من ذا الذي يرى جسداً يأتي من عذراء وحدها بدون رجل، ولا يدرك أن من ظهر في الجسد لابد أن يكون هو صانع ورب باقي الأجساد؟" [1].
ويقول يسّى منصور: "لو لم يولد المسيح من عذراء لكان مجرد إنسان" [2]، وهو بحق كذلك، بدليل أن بعض المخلوقات شارك المسيح في صورة هذه المعجزة الباهرة، أي ولادته من عذراء، من غير أب، فأصول سائر المخلوقات - ومنهم البشر - لا أب لهم ولا أم، ووجود آدم خلقاً سوياً أكبر وأكمل من خلقة المسيح الذي خلق جنيناً في بطن أمه، ثم كبر بعد ذلك ونما.
والميلاد من غير أب أعجوبة ولا ريب، لكنها لا تقتضي الألوهية بحال، ولو اقتضاها لاقتضى ألوهية أصول جميع الحيوانات، وألوهية أبوينا آدم وحواء، فقد ولد آدم من غير أب ولا أم، وولدت حواء من آدم، ولا أم لها.
وذلك المعنى هو ما أرشدنا إليه الله بقوله: ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون﴾ (آل عمران: 59).
ورغم المثلية القائمة بين آدم وعيسى من جهة ميلادهما من غير أب، إلا أن آدم يتميز عن عيسى بـأمور، منها أن آدم عليه السلام لم يخرج من بين نجو وطمث، وأيضاً فإن الله أسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء من علمه تعالى، كما كانت الجنة منـزله، وقد تولى الله مناجاته بنفسه دون أن يرسل إليه رسولاً، إلى غير ذلك مما لم يكن لعيسى ولا غيره. فإذا تميز آدم بكل هذه المميزات، فلم لا تقول النصارى بألوهيته؟!
وممن فاق المسيح في هذه المعجزة - حسب الكتاب المقدس - ملكي صادق كاهن ساليم في عهد إبراهيم، فقد ولد من غير زرع رجل، وينقل بولس أن لا أب له ولا أم، ولا بداية ولا نهاية: "ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي ... بلا أب، بلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة، بل هو مشبه بابن الله، هذا يبقى كاهناً إلى الأبد" (عبرانيين 7/1-3)، فلم لا يقول النصارى بألوهية ملكي صادق[3]، وهو الذي لا أب له ولا أم ، لأنه ولد بعد وفاتها؟
وكذلك الملائكة خُلِقوا من غير أب ولا أم، ولا تعتبرهم النصارى آلهة.
وهكذا فالميلاد العذراوي [4] لا يصلح دليلاً على الألوهية، وإن كان حدثاً فريداً - نسبياً - في تاريخ البشرية.
الدكتور منقذ بن محمود السقار
---------------------------
[1] تجسد الكلمة، البابا أثناسيوس، ص 52.
[2] انظر : مسيحية بلا مسيح، كامل سعفان، ص (62)، المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح، علاء أبو بكر، ص 186).
[3] ذكرت دائرة المعارف الكتابية أن "ملكي صادق شخصية كتابية غامضة"، ونقلت قول قائلين بأن "ملكي صادق لم يكن سوى أحد ظهورات المسيح قبل التجسد". انظر دائرة المعارف الكتابية (7/222-223.
[4] انظر الولادة العجيبة، ضد المسيحية في الإسلام http://www.burhanukum.com/article307.html
فهرس الكتاب علي صفحة منقذ السقار : الله جل جلاله واحد أم ثلاثة