ما الذي يدفع مثل سعد ان يأكل قطعة من الجلد بعد ان تبول عليها
انه الحصار الظالم الذي فرضته قوة الشرك علي الفئة المؤمنة في مكة .. لقد منعوا عنهم الأكل حني أكلوا أوراق الشجر ولم يكتف المشركون بذلك بل واستأسدوا علي المستضعفين فأذاقوهم شتي أصناف التعذيب حتي أمر الرسول صلي الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة الي االحبشة ولأن المشركون ارادوا إبادة الفئة المؤمنة أرسلوا وفدا الي النجاشي ليسلمهم اليهم
لم يكتب للمشركين النجاح في تلك المهمة بينما فر ما تبقي من المسلمين الي المدينة في هجرة جماعية ومنهم الرسول نفيه صلي الله عليه وسلم .. أخرجوه المشركين من بلدته وهو يقول : وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ
وعاد
الرسول صلي الله عليه وسلم في عام الفتح الي مكة منتصرا علي راس جيش تعداده عشر ألاف مقاتل, أي انه عاد الي مكة ولديه مبررا أخلاقيا للقضاء علي أهل مكة بالإضافة الي القدرة العسكرية علي تنفيذ الإبادة أو التحريم بالمصطلح النصراني
وإذ ستلم أهل مكة لمسيرهم منتظرين لحظة نزول السيوف علي أعناقهم نطق الرسول صلي الله عليه وسلم بالحكم
قال لهم : اذهبوا فانتم الطلقاء
مدينة أريحا لم يكن حظها كحظ مكة إذ انه لم يرسل اليها المبعوث رحمة للعالمين ولكن جزار اسمه يشوع بن نون أرسله مجرم حرب يسميه
الكتاب المقدس الإله
يهوه .. إله شعب إسرائيل وفقط شعب إسرائيل وقد اصدر الأمر الي شعبه بتحريم مدينة أريحا وهكذا فعلوا كما يخبرنا الكتاب المقدس في سفر يشوع الإصحاح 6:21
وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف
التحريم جريمة أكثر شراسة من الإبادة الجماعية ولقد عرفها القمص أنطونيوس فكري فقال
’´لقد حرم الله أريحا وكل ما فيها صار موضوعا تحت الحرم . وبالعبرانية " حِرِم " تعنى ملعونا . ًوالمعنى أن أي شئ من شأنه أن يعرض حياة الجماعة الدينية المقدسة للخطر يجب أن يزال لمنع الضرر ويجب إتلافه إتلافا تاما . إذا الحرم كان له وظيفة دينية ووظيفة وقائية للحفاظ على إسرائيل وقداستها . والتحريم هنا ليس شهوة للدماء والسلب والنهب بل واجبا إلهيا لزم ً ًإجراؤه، هو عملية جراحية لا يمكن تحاشيها .
إذن التحريم هو إبادة المدينة إبادة تامة وإزلتها من خريطة الوجود وذلك بقتل كل حي من رجل وإمرأة شيوخ وأطفال بل حي الرضع بالإضافة الي الحيوان والنبات وذلك جلي من نص صمويل الأول 15:3 "" فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة.طفلا ورضيعا.بقرا وغنما.جملا وحمارا ""
ثم يضيف أنطونيوس فكري عدد من المبررات علي تحريم ريحا والقضاء علي كل من فيها من رجل وامرأة طفلا ورضيعا فيقول
لقد أظهرت الإكتشافات الحديثة حالة المجتمع في كنعان في ذلك الحين ومدى الإنحطاط الخلقي الذي بلغه الإنسان فلقد اشتملت الطقوس الدينية الوثنية على إرتكاب الزنا الجسدي ( مع الرجال والنساء ) وتقديم الأطفال ذبائح حية للآلهة. هذا الفساد هو موت روحي هم اختاروه لأنفسهم ( رو١ : ) ٢٥ - ٢١ وكان التحريم بأمر من الله هو إظهار حالة الموت التى اختاروها لأنفسهم . هنا الله يكشف عن بشاعة ثمرة الخطية وتدميرها للحياة . والله هنا إختار الشعب اليهودي لعقاب هؤلاء الكنعانيين والوسيلة التي أعلن بها دينونة هذه الشعوب . والله له وسائل أخرى غير الحروب لإهلاك الخطاة مثل الطوفان والنار من السماء في قصة سدوم وعمورة والمجاعات والأوبئة . وهذه الحروب رمز للحروب الروحية ضد الخطية . والله سمح لشعبه أن يحرم ويبيد هؤلاء الخطاة ليكون هذا درسا ً لشعبه فى ماذا تكون عقوبة الخطية .
تفسير القمص انطونيوس فكري ليشوع ( المقدمة ) ص 6
لقد جعل أنطونيوس فكري الإبادة الجماعية إبادة رمزية في حين صاغ لها ثلاثة مبررات رئيسية هي
تعرض حياة الجماعة الدينية المقدسة للخطر
الطقوس الوثنية التي تبيح الزنا وتقديم الأطفال ذبائح للآلهة
الحاجة الي إعطاء بني إسرائيل درسا للعبرة
أما عن المبرر الأول " تعرض الجماعة الدينية للخطر " فقد تعرض المسلمون للإبادة الجماعية من بدايتها ووصل الخطر الي أقساه حين زلزل الأحزاب الأرض من تحت أقدام المسلمين وحوصروا من كل الجهات من قبل تحالف الكفر .. ولقد سجل القرآن هذه المحاولة لإبادة الفئة المؤمنة وابتلائهم في قوله تعالي (
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا )
ورغم وجود المبرر وامتلاك الوسيلة لم يحرم محمد صلي الله عليه وسلم
مكة بينما حرم يشوع أريحا بأوامر يهوه, قتلوا الرجال والنساء الأطفال والرضع, الحيوان والنبات وقضوا علي كل معالم المدينة وكما أمر الرب استثنوا سيدة واحدة تدعي
راحاب الزانية لتعاونها مع المحتل ( يشوع 6:17 )
محمد صلي الله عليه وسلم مع وجود المبرر والقوة عفا وسامح في حين حرم يشوع أريحا بدون المبرر الأول الذي قدمه القمص انطونيوس فكري "" تعرض الجماعة الدينية للخطر "" فأين تعرض شعب يهوه للخطر, هل خرج يشوع من أريحا مطاردا وهو يقول ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت كما حدث مع الرسول صلي الله عليه وسلم .. هل كان أحد من أصحابه يقلب علي الرمال الملتهبة وتوضع الصخرة علي صدره فيقول أحد أحد .. هل شاهد يشوع أتباعه يقتلون في أريحا فلم يملك الا ان يواسيهم .. الإجابة لا .. لا لأن أريحا لم تكن بلدتهم كما كانت مكة موطن المهاجرين
لقد عاش يشوع واتباعه في أمن وسلام علي أرض كأنها قطعة من الجنة حتي ان أكلهم كان ينزل من السماء "" فقال الرب لموسى ها انا امطر لكم خبزا من السماء "" الخروج 16:4 .. "" وقال موسى.ذلك بان الرب يعطيكم في المساء لحما لتاكلوا وفي الصباح خبزا لتشبعوا"" الخروج 16:8 .. وكانت الأنهار تنبع بضربة العصا ( الخروج 17:6 ) .
لا خطر يهدد الجماعة الدينية كما هو بين ولكن جماعة دينية تهدد البشرية في سعيها الدؤوب للتوسع ملخصها قول يهوه "" كل موضع تدوسه بطون اقدامكم لكم اعطيته كما كلمت موسى. "" (يشوع 1:3) وللوصول الي هذا الهدف تستحل كل المحرمات وتداس علي كل القيم في حرب لا اخلاقية, ابرع سفر هوشع في تصوير مآسيها
"" وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف ""( 6:21 ) ... "" فضربوهم حتى لم يبق لهم شارد."" (11:8) .. "" وضربوا كل نفس بها بحد السيف.حرّموهم.ولم تبق نسمة.واحرق حاصور بالنار .... وضربهم بحد السيف.حرمهم كما أمر موسى عبد الرب .. فضربوهم جميعا بحد السيف حتى ابادوهم.لم يبقوا نسمة ... فيحرّموا فلا تكون عليهم رأفة بل يبادوا كما أمر الرب موسى
"" . (11:11,12,14,20) ..
هذه المجازر البشعة أرتكبها يهوه بلا مبرر في حين اننا نري ان الرسول صلي الله عليه وسلم بذل اقسي جهده لتجنب
القتال وهو يعود الي مسقط رأسه وفيها ألد أعدائه لكنه يمد اليهم يد السلام فيقول "" من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن "" و حين بلغته ان سعد بن عبادة قال : اليوم يوم الملحمة. اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذلَّ الله قريشاً قال الرسول صلي الله عليه وسلم : بل اليوم يوم تعظَّم فيه الكعبة. اليوم يوم أعز الله فيه قريشاً. ولم يكتف بذلك لكنه أخذ اللواء من سعد ليدفعه الي ابنه
المبرر الثاتي الذي صاغه القمص انطونيوس فكري مضحك مبكي
أما عن الطقوس الوثنية التي تبيح الزنا وتقديم الأطفال ذبائح للآلهة فهو مبرر مضحك مبكي, بالنسبة لإباحة الزنا فقد كان علي يهوه ان يرسل لهم رسلا لهدبهم لكن الكتاب المقدس يصور لنا إله في شكل شيخ قبيلة، لا رب العالمين، وهذا بحد ذاته يعقد المشكلة إذ انه لا يحق له معاقبة قوم يعتبرهم خارج ملكه
والجزء المضحك من المبرر هو تقديم الأطفال كقرابين للآلهة .. مضحك لأن يهوه إله بني إسرائيل فعل ذات الفعل بأن قدم ابنه الوحيد قربانا لنفسه فمات ولم يشفق عليه ولا التفت الي صرخاته وهو يبكي : ابي لماذا شبقتني ؟؟
وبينما عالج
القرآن مشكلة قتل الأطفال بأن خاطب عقول المشركين (
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) اتبع يهوه وسيلة أخري وهي انه أمر يشوع بأن يقتل الجاني والمجني عليه .. ""
وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف ""( 6:21 )
والمسلم في قتاله، لا يغدر ولا يفجر ولا يفسد ولا يتلف ولا ينهب مالاً ولا يقتل امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا يتبع مدبراً ولا يجهز على جريح ولا يمثل بقتيل ولا يسئ إلى أسير ولا يتعرض لمسالم أو رجل دين ولا يقصد أن يضرب وجهاً أو يقتل صبياً .
ويقول
فإذا كانت الحرب ولا بد فإن المسلم يضرب فيها أروع المثل على الرحمة والتفضل ومراعاة أعلى آدابها الإنسانية فإذا رجحت كفة المسلمين على أعدائهم وظهرت الغلبة له فإن عليهم بحق القرآن أن يكفوا عن القتل ويكتفوا بالأسر ليمنوا على الأسير بعد ذلك بحريته أو يفتدوا به مثله من أساراهم فيحسنوا إلى إنسانين من عباد الله
وختم الإمام رسالته بتساؤل فقال
فهل رأت الساحات والميادين أرق من هذه الأفئدة وألين من هذه القلوب ؟
وأختم وأقول
حتي لو لم أكن مسلما لأحببت محمدا صلواته الله عليه وسلامه
محمود أباشيخ
الدليل والبرهان - دلائل نبوة محمد