عناية الصحابة بالأحاديث والسنن

بقلم محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة
ولمكانة السُنَّة من الدين، ومنزلتها من القرآن الكريم عُني الصحابة بالأحاديث النبوية عناية فائقة، وحرصوا عليها حرصهم على القرآن، فحفظوها بلفظها أو بمعناها وفهموها، وعرفوا مغازيها ومراميها بسليقتهم وفطرتهم العربية، وبما كانوا يسمعونه من أقوال النَّبِي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما كانوا يشاهدون من أفعاله وأحواله، وما كانوا يعلمونه من الظروف والملابسات التي قيلت فيها هذه الأحاديث، وما كان يشكل عليهم منها ولا يدركون المراد منه يسألون عنه الرسول – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد بلغ من حرصهم على سماع الوحي والسُنن من رسول الله أنهم كانوا يتناوبون في هذا السماع، روى البخاري في ” صحيحه ” عن عمر – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قال: «كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد (1)، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ينزل يوماً وأنزل يوماً فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك … » (2) الحديث.

وبذلك جمعوا بين خيري الدين والدنيا، فما شغلهم دينهم عن دنياهم ولا شغلتهم دنياهم عن دينهم.

وإذا علمنا أنَّ القرآن والسُنَّة استفاضا ببيان فضل العلم والعلماء، وأنَّ الصحابة كانوا يعلمون أنَّ السُنَّة هي الأصل الثاني للدين، وأنهم كانوا يُحِبُّونَ رسول الله أكثر من حُبِّهِمْ لأنفسهم، وأنهم كانوا يجدون في الاستماع إليه لَذَّةً وروحاً. وأنهم كانوا يعتقدون أنه ما ينطق عن الهوى إنْ هو إِلاَّ وحي يوحى، وأنهم كانوا يجدون فيما يسمعونه منه غذاء الإيمان وزاد التقوى (3)، وأنه سبيل إلى الجنة (4).

إذا علمنا كل هذا أدركنا مبلغ حرص الصحابة على استماع السُنن والأحاديث وأنَّ ذلك أمر يكاد يكون من المُسَلَّمَات البدهيات.

وكذلك عنوا بتبليغ السُنن لأنهم يعلمون أنها دين واجبة البلاغ للناس

 

كافة، وكثيراً ما كان النَّبِي – صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ – يحضهم على الأداء لغيرهم بمثل قوله: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»
وفي رواية بلفظ: «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»
رواه الشافعي والبيهقي في ” المدخل “.

وفي خطبته المشهورة في حُجَّة الوداع قال: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى مِنْهُ» رواه البخاري في ” صحيحه “.

وكان إذا قدم عليه وفد وعلَّمهم من القرآن والسُنَّة أوصاهم أنْ يحفظوه ويبلِّغوه، ففي ” صحيح البخاري ” أنه قال لوفد عبد القيس: «احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ» وفي قصة أخرى قال: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ» (5).

وكثيراً ما كان يقرع أسماعهم بقوله: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فمن ثم كانوا جد حريصين على حفظ السُنن والحفاظ عليها وتبليغها بلفظها أو بمعناها.
(1) أي ناحية بني أمية، سميت البقعة باسم من نزلها.
(2) ” صحيح البخاري ” – كتاب العلم – باب التناوب في العلم.
(3) كان الواحد منهم يقول لصاحبه وهو ذاهب إلى مجلس الرسول: «تَعَالَ نُؤْمِنْ سَاعَةً».
(4) في الحديث الذي رواه مسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».
(5) ” فتح الباري “: ج 1 ص 128، 149.

Posted by on مارس 22 2012. Filed under تعرف على الإسلام. You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0. You can leave a response or trackback to this entry

Leave a Reply

300x250 ad code [Inner pages]

Featured Links

  • أشرف الخلق
  • الرد على إبراهيم لوقا
  • الرد على شبهات النصارى حول الإسلام
  • الرد علي شبهات النصارى حول القرآن
  • ردود الشيخ يوسف القرضاوي
  • ردود محمود أباشيخ على الشبهات
  • شبهات النصارى حول السنة
  • مقالات الشيخ محمد الغزالي

Search Archive

Search by Date
Search by Category
Search with Google

Photo Gallery

120x600 ad code [Inner pages]
تسجيل الدخول | Designed by Gabfire themes