يلاحظ ان القمص إبراهيم لوقا ذكر تفسير الجلالين للآية بالمعني دون أن يورد نص الجلالين ويحق له ذلك ان هو استخدم لفظا يشير الي الإقتباس بالمعنى, كأن يقول " ويري الجلالان " أو يقول " بحسب تفسير الجلالين" ولكن ما فعله القمص يعتبر نوعا من التدليس وسقطة أكاديمية، خاصة في استخدامه للنقطتبن ( : ) وقد أضطر القمص الي إيراد نص الجلالين بالمعنى كي يخفي على القارئ معنى الذكر في الآية، إذ ان التفسير يؤكد على ان المقصود بالذكر هنا القرآن , وها هو نص الجلالين
[2]" }إنا نحن {تأكيد لاسم إن أو فصل نزلنا الذكر القرآن وإنا له لحافظون من التبديل والتحريف والزيادة والنقص "
وسبق ان القمص إبراهيم لوقا فعل نفس الشيء وقد أشرنا في الفصل السابق الي اقتطاعه لكلام الإمام البيضاوي، وفي الباب الثاني القصل الأول من كتابه أورد الآية 91 من سورة الأنعام بعد ان بطر منها جزءا من بداية الأية وجزءا من وسطها فنقلها كالتالي ( قلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الّذي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ,,, قُلِ اللّهُ ) وذلك لأن الآية تفيد تحريف اليهود للكتاب المقدس ( تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرً
)
عودة الى الآية التي نناقشها (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) نقول ان الذكر يطلق علي القرآن وعلي الكتب السابقة، وفي هذه الآية قصد القرآن
وندرك ذلك من سياق الآيات، حيث يخبرنا الله سبحانه وتعالي في الىية السادسة، ان المشريكين قالو للرسول صلي الله عليه وسلم في سخرية (
وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) وقد قصد المشركون بالذكر القرآن فمحمد صلي الله عليه وسلم لم تنزل عليه التوراة ولا الإنجيل – وطالب المشركون الإتيان بالملائكة (
لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (7)
وردا عليهم قال الله سبحانه وتعالي
ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
أي لحافظون الذكر الذي هو موضع النقاش وهو القرآن, والمشركون حين خاطبوا الرسول صلي الله عليه وسلم وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر, قصدوا القرآن, ولم يقصدوا التوراة ولا الإنجيل’ لأن الذي أنزل علي محمد صلي الله عليه وسلم هو القرآن وسنبين هنا بمثال يفهمه النصاري
الأناجيل الأربعة أوضح مثال علي ما ذكرنا, فإن قال قائل لمتي العشار: أروع ما في انجيلك
الموعظة على الجبل, فاننا نفهم انه يقصد الإنجيل المنسوب لمتي العشار ولا يمكن أن يفهم منه انه يقصد انجيل لوقا البشير, رغم ان الرسالة التي كتبها لوقا البشير لصديقه ثاوفيلس [3] يسميها النصارى إنجيلا وكذلك
العهد الجديد ككل يسمي انجيلا ,, وحين يقول بولس عبارة " بحسب انجيلي [4] فهو لا يقصد كل الأناجيل وإنما يقصد إنجيلا معينا, ويري بعض العلماء انه يقصد إنجيل لوقا, وذكر
القديس جيروم في كتابه مشاهير الرجال [5]ان البعض
يعتقد ان بولس يقصد انجيل لوقا في قوله " بحسب انجيلي " . وقد يذكر أحد ما الإنجيل ولا يقصد أي انجيل من الأناجيل كما في قول يسوع ""
قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله.فتوبوا وآمنوا بالإنجيل "" مر 1:15 – ويقول المفسرون ان الأمر بالإيمان بالإنجيل تعني الإيمان بالبشارة , بالطبع لأنه لم يكن في يد النصارى انجيلا في حياة المسيح حسب إعتقادهم لذلك لا يمكن لهم تحديد إنجيل معين فتحتم ان يفسروا كلمة الإنجيل هنا بالبشارة .. ولا يهمنا هنا ان نناقش معني كلمة إنجيل ولكن يهمنا ان نوضح ان كل سيرة من السير التي تنسب الي الإنجيليين تسمي " إنجيل " ومن سياق النص يمكننا ان ندرك أي إنجيل يقصده الكاتب
وإذ وعد الله بحفظ القرآن, اخبرنا انه وكل اليهود بحفظ التوراة (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ
فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ( المائدة : 44 ) وكل اليهم حفظه فلم يمتثلوا لأمر الله فأضافوا وانقصوا منه لذلك تري كثير من الجمل الغير مفيدة في
الكتاب المقدس أو تلك النصوص التي اخذت منها كلمات ووضع مكانها نجوما مثل حزقيال 23/43
فقلت عن البالية في الزنى الآن يزنون زنى معها وهي***.
وهي ماذا ؟؟ لا أحد يعرف الا أنه بدا
النصارى مؤخرا في التخمين ووضع كلمات من عندهم رجما بالغيب, فبعض الترجمات الإنجليزية مثلا وضعت كلمة " معهم " مكان النجوم دون أن يستشيروا اليهود أصحاب الكتاب وفي ذلك يقول القمص انطونيوس فكري في تفسيره للنص
[6] وفى آية :- ٤٣ الآن يزنون زنا معها وهى ***. المقصود وهى معهم حسب الترجمة الإنجليزيـة . وربمـا تركـت الكلمة فى الأصل العبرى دون أن تكتب وذلك كنوع من إظهار التعجب )
وهناك نماذج أخري لنصوص اخذت منها كلمات وحل محلها نجوم التي بدأت تختفي تدريجيا لتحل محلها كلمات ظنية
وأتى بالكتاب الى ملك اسرائيل يقول فيه******فالآن عند وصول هذا الكتاب اليك هوذا قد ارسلت اليك نعمان عبدي فاشفه من برصه. (الملوك الثاني 5:6)
******فالآن عند وصول هذه الرسالة اليكم اذ عندكم بنو سيدكم وعندكم مركبات وخيل ومدينة محصنة وسلاح (الملوك الثاني 10:2)
وبنو عزرة يثر ومرد وعافر ويالون******وحبلت بمريم وشماي ويشبح ابي اشتموع. (1أخبار الأيام 4:17)
أخبرنا كاتب انجيل متي في انجيله عن وجود نص في العهد القديم يفيد بان المسيح سوف يكون من مدينة الناصرة "" لكي يتم ما قيل بالانبياء انه سيدعى ناصريا "" غير اننا لا نجد هذا النص مما يعني انه تم أخذه من الكتاب , يقول المفسر البيرت بارنز "" لا وجود لهذا النص في أي من الأسفار ""
[7]ويقول
المفسر آدم كلارك "" من الصعب جدا تحديد من تنبأ بهذه النبوة "" في حين ان بعض المفسرين حاولوا جاهدين ايجاد مخرج فقالوا ان المسيح غصن والغصن بالعبرية تعني ناصر. .. اجتهاد لا بأس به ان أتي النصارى بنبوة تقول ان المسيح سوف ينحدر من مدينة غصن وسوف يدعي غصني ولكن لا وجود لمثل هذا النص ولا مفر من الإقرار بإحدى الاثنين ... اما ان نقر ان مني العشار حرف بالزيادة أو ان اليهود حرفوا بالنقص
تلك عدة نصوص من كم ضخم من النصوص تبين حدوث التحريف في الكتاب المقدس بالزيادة والنقص مما يؤكد سوء فهم القمص ابراهيم لوقا لمعني " الذكر " في الآية, وتبين من سياق الآية ان المقصود بالذكر القرآن تحديدا في الآية المذكورة
محمود محتار اباشيخ
M. Abasheikh