المسيح الشفيع
يقول
جاء في سورة آل عمران 3: 45 : إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ .وقد فسر الرازي هذه الآية بقوله: وجيهاً في الدنيا بسبب النبوّة، وفي الآخرة بسبب علو المنزلة عند الله تعالى. بسبب أنه يجعله شفيع أمته، ويقبل شفاعته فيهم وفي تفسير الجلالين: وجيهاً ذا جاه في الدنيا بسبب النبوّة والآخرة بالشفاعة والدرجات العلا. وفي تفسير البيضاوي: الوجاهة في الدنيا النبوّة والتقدم على الناس، وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة .
هذا عن شفاعة المسيح عليه السلام أما تفرد المسيح بالشفاعة فيقول القمص إبراهيم لوقا
وبينما نرى الإسلام قد أثبت للمسيح هذا الاختصاص نراه أولاً قد أنكر هذا الحق على كل من عداه من البشر بما فيهم الأنبياء والرسل وثانياً نراه في الوقت نفسه يصرح بأن الشفاعة حق من حقوق الله جل شأنه.أما عن الأمر الأول فنذكر سورة التوبة 9: 80 اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
وبعون الله نبدأ من آية سورة آل عمران
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
وإذا ترك إبراهيم لوقا كهنوته جانبا وتبرأ من الوثنية وعاد الي رشده سوف يلاحظ عدة أمور في الآية كلها تدل علي بشرية المسيح .. وإذا كانت الوثنية قد أغمضت عيناه فإننا سوف نأخذ بيده ونشير علي هذه البينات التي تدل علي بشرية المسيح عليه السلام ونبدأ بمحور شبهة القمص إبراهيم لوقا حول قوله تعالي ( وجيها في الدنيا والآخرة ) ونسأل : وجيها عند من ؟ ومقربا عند من ؟ ولمن يشفع وعند من ؟
ونجد الجواب علي هذه الأسئلة في الفقرات التي أشار إليه القمص إبراهيم لوقا من تفسير الإمامين الرازي والبيضاوي فلنقتبس فقرة من اقتباس القمص إبراهيم لوقا
" وجيهاً في الدنيا بسبب النبوّة، وفي الآخرة بسبب علو المنزلة عند الله تعالى بسبب أنه يجعله شفيع أمته، ويقبل شفاعته فيهم ... وعلو الدرجة في الجنة "
وليخبرنا الآن ما إذا كان هذه صفات الله أـم صفات العباد .. إن قال هي صفات الله فعليه ان يجادل من يضاهيهم من الوثنيين ومن السهل ان يتفقوا معه في ان الإله صار نبيا فنال الوجاهة وعلو المنزلة عند أبيه ولولا انه صار نبيا لما نال الوجاهة وعلو المنزلة ولأنه نال الوجاهة فقد سمح الإله للإله ان يشفع لأمته عند الإله وبعد ان قبلت شفاعة الإله الابن لأمته الذين هم عباد الإله الأب يدخل الإله النبي مع أمته الي الجنة جزاءا لأعماله الجليلة
أما الموحدون فيسخرون من إله وجيه ومقرب من إله آخر يجعله شفيع أمته ونري ان هذا مما يوصف به العباد لا رب العباد وقد وصف الله موسي عليه السلام بالوجاهة في سورة الأحزاب, قال تعالي ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
والقربى والجنة مما يناله العباد ومن السفاهة والكفر البين ان يقال ان الله موعود بدخول اللجنة وراغب بنيل التقرب الي أيا كان يقصد القمص إبراهيم لوقا .. ان البشر هم من يسعون الي التقرب الي الله وسواء نال العبد التقرب أم لم ينل, لا يزيد ذلك ولا ينقص في ملك الله , والجنة رحمته يرحم بها من يشاء وهو منزه عن التمتع بالجنة فكيف يقال ان الله يسعي الي التقرب لينال الجنة وهو الذي يرغبنا فيها.. وتأمل كيف وصف الله المقربين في القرآن
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) الواقعة ) وقال تعالي (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) الواقعة ) وقال تعالي (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) المطففين ) ومن عباد الله المقربين الملائكة, وهم لا يستنكفون عن عبادة الله كما لا يستنكف المسيح (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) النساء )
النقطة الثانية التي غفل عنها القمص إبراهيم لوقا هي اسم المسيح فالقرآن يسميه عيسي ابن مريم ومن البديهي ان الله لم يلد ولم يولد والمسيح ولد من مريم والنصارى باستثناء النساطرة يقولون ان مريم ولدت الإله ولم تلد مجرد إنسان فأي عقل هذا الذي يقول إن الإله خرج من فرج أمه .. وإذا كنا نحن كبشر نمر من نفس الممر فإننا نعبره غير مدركين, بينما لو عبره الإله يجب ان يعبره واعيا مدركا ليفاجئ بابن خالته يقول له يوما ما : أنا أكبر منك يا أنت ... بالطبع يلجأ النصارى للخروج من هذا المأزق الي سفسطة الناسوت واللاهوت لذلك سبق وأشرنا أنهم يقولون إن مريم ولدت الإله ولم تلد إنسان باستثناء النساطرة فلا حجة لهم هنا بالتعلق بالناسوت واللاهوت
النقطة الثالثة التي لم ينتبه إليها إبراهيم لوقا هي ان المسيح مخلوق كما هو واضح من الآية وهكذا فهمت أم المسيح لذلك تسأل كيفية خلقه. والجواب ( قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) – لو فهمت مريم عليها السلام أنها تلد الإله لما سألت هذا السؤال بالتحديد إذ من البديهي أنها تعرف كان الله ليس بمخلوق ولسألت أسئلة ذي علاقة بالموضوع كأن تسأل : كيف ألد الإله يا رب وقد وسع كرسيه السموات والأرض , وماذا عن نص العهد القديم الذي يقول إن الإله إذا مشي علي الأرض (فتذوب الجبال تحته وتنشقّ الوديان كالشمع ) ميخا 1/4
إن من يقول أن هذه الآية تشير الي إلوهية المسيح فهو يقول أنه أكثر فهما من من تلقت البشارة بنفسها وفهموا من لم تفهمه ولهؤلاء نقول تأملوا مدي ذكاء أم المسيح في فهمها انها تلد بدون أب وذلك من نسب المسيح إليها ( عيسي ابن مريم ) وهذا ما لم ينتبه إليه النصارى الي الآن
زعم القمص إبراهيم لوقا ان المسيح هو الوجيه والمقرب الوحيد والشفيع الأوحد وقد رئينا كيف ان الله وصف موسي بأنه كان وجيها ( الأحزاب 69 ) وأشرنا الي الآيات التي تتحدث عن المقربين ( الواقعة / 11, 88 – المطففين / 28 – النساء / 172 ) والآن نعود الي الفقرة التي اقتبسها إبراهيم لوقا من تفسير الإمام الرازي
" .وقد فسر الرازي هذه الآية بقوله: وجيهاً في الدنيا بسبب النبوّة، وفي الآخرة بسبب علو المنزلة عند الله تعالى. بسبب أنه يجعله شفيع أمته، ويقبل شفاعته فيهم "
بالرجوع الي الرازي سوف نجد أن القمص توقف حيث يقف المدلسون وأسقط كلمة " المحقون " لغرض في نفسه فلنعد الي الرازي كي لما توقف حيث توقف
قال الرازي
ووجيه في الآخرة بسبب أنه يجعله شفيع أمته المحقين ويقبل شفاعتهم فيهم كما يقبل شفاعة أكابر الأنبياء عليهم السلام
وسر التوقف لا يخفي علي القاري فالرازي ينفي ان المسيح هو الشفيع الوحيد في قوله " كما يقبل شفاعة أكابر الأنبياء " وهذا ما يريد القمص إبراهيم لوقا أن يخفيه فلنتأمل في الآية التي يستدل بها
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
الآية ليست عن الشفاعة ولكن سوف نتجاهل هذا الخطأ من القمص وسوف نفترض ان المستغفر هو المسيح عليه السلام ونسأل القمص : هل يغفر الله لهم إذا كان المسيح هو الذي يستغفر لهم ؟
إن قال لا, فالأمر منتهي, ونفيه لمغفرة الله لهم إن استغفر لهم المسيح أمر وارد إذ ان القوم كفرة كما هو واضح من الآية وهو أنهم كفروا بالله ورسوله ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ )
أما إن قال نعم ان المسيح ان استغفر للكفار فان الله يغفر لهم فهذا لا يعني سوي الإقرار ببطلان الفداء والصلب إذ انه في حالة مغفرة الإله للكفرة الذين يستغفر لهم يسوع فبالأولي ان يغفر لآدم المؤمن النبي دون ان تزهق روح الإله المتهور المستغفر والنصاري قالوا ان الطريق الوحيد للمغفرة هو موت الإله وقبول موته – إذن في خالة قول القمص ان الله يقبل شفاعة المسيح عليه السلام في الكافرين فإن ذلك يعني وجود طريق آخر غير الفداء بموت الإله وان الجميع يدخلون الملكوت الأبدي كاليهود والوثنيين وغيرهم من البشر
إذن استدلال القمص إبراهيم لوقا بالآية مردود, وكما لا يغفر الله للمنافقين إذا استغفر الرسول صلي الله عليه وسلم لهم كذلك إن استغفر لهم المسيح لن يغفر لهم ( ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله ) أما إن رجعوا وتابوا فإن الله يقول ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءوكَ فاستغفروا الله واستغفر لَهُمُ الرسول لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً رَّحِيماً ) النساء : 46 )
إذن لقد كذب القمص إبراهيم لوقا وافتضح جهله في استدلالاته لإثبات تفرد المسيح بالشفاعة والجدير بالذكر ان القرآن يخبرنا ان الملائكة أيضا تستغفر للذين تابوا واتبعوا سبيل الله – يقول الله سبحانه وتعالي
الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك } [ غافر : 7 ]
صاحبنا إبراهيم لوقا يظن انه أكثر فهما لبشارة الملائكة الي مريم ابنت عمران بالمسيح من صاحبة البشارة, كذلك يري نفسه أنه يفهم أكثر للرسالة المحمدية من صاحب الرسالة فهل يزعم أحد مثل هذا إلا المأفون .. فماذا يقول المأفون إذا علم ان محمد صلي الله عليه وسلم أخبرنا ان الناس يوم القيامة يأتون المسيح يسألونه الشفاعة فيقول ( لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونِى فَأَقُولُ أَنَا لَهَا ) صحيح البخاري
وقبل ان يأتي الناس الي عيسي يأتون يأتي الناس آدم ( فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ . فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ . فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم )
محمد صلي الله عليه وسلم يقول أنا لها ثم يستأذن علي ربه فيؤذن له ويلهمه محامد يحمده بها ويخر ساجدا فيقال له - يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ
ان محمد صلي الله عليه وسلم وهو الذي يخبرنا أن الناس تذهب للمسيح عليه السلام تطلب الشفاعة وان المسيح يقول عليكم بمحمد صلوات الله عليهما وسلامه , أما محمد فيقول : أنا لها .. وعلي قائل أنا لها نزلت الآية الني يتطفل عليها إبراهيم لوقا وهي قول الله تعالي
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
فإذا كان من أوحي إليه بهذا الآية يقول إنا لها .. أي الشفاعة , فإن من يقول بغير ذلك ليس إلا مخبولا .. فيا حسرتاه علي أموال الكنيسة التي أنفقت لطبع كتاب مخبول يتوقع ان يصدقه المسلمون ويكذبوا الصادق الأمين
محمود أباشيخ
الرجوع الي الرد علي شبهات النصاري
الرد علي القمص إبراهيم لوقا
ردود محمود أباشيخ علي شبهات النصارى