وهناك أيضا الاسم ياه الذى يكتب يا فى آخر الأسماء كما جاء فى زكريا و زنوبيا و أرميا و صفنيا و أشعيا ... الخ .
فى سوريا القديمة كان الآراميون يعرفون الاسم الجليل الله (1) وكذا الاسم المختصر له ( يا ) حيث عثر عليه مكتوبا فى أحد ألواح أوغاريت (2) . وفى منطقة أبيلا بسوريا القديمة عُثِرَ عليه فى آثارها تحت الاسم المختصر ( ياو ) و ( يا ) (2) .
وفى شمال غرب شبه الجزيرة العربية كان المديانيون يعبدونه تحت اسم ياهو الذى يشار إليه أيضا بالرمز المختصر يا . وفى هذه المنطقة تحديدا تقول التوراة الموجودة حاليا إنَّ موسى عليه السلام قد تعرَّف على ذلك الإله أثناء فترة تغربه من مصر وقبل بعثته عليه السلام . ثم عرفه الإسرائيليون فيما بعد حين خروجهم من مصر بصحبة موسى عليه السلام واشتهر ذلك الاسم وأصبح هو الإله القومى لبنى إسرائيل فقط ..!!
وعُرِفَ بينهم بأسمائه المختصرة مثل : يا و ياه و ياو و ياهو وسوف يكون تركيز دراستنا هنا على الاسم المختصر ( يا ) لمسيس الحاجة إليه .
جاء ذكر ذلك الاسم المختصر يا فى المزمور رقم ( 68 : 4 ) " غنوا لله ورنموا لاسمه . أعِدُّوا طريقا للراكب فى القفار (3) باسمه ياه واهتفوا أمامه " وجاء أيضا فى سفر أشعياء ( 26 : 4 ) " افتحوا الأبواب لتدخل الأمَّة البارة الحافظة الأمانة ذو الرأى المُمَكَّنِ تحفظُهُ سَالِماً سَالِماً لأنه عليك متوكل . توكلوا على الرب إلى الأبد لأنَّ فى ياه الرب صخر الدهور " .
وهذا الاسم عندما يلحق بآخر الأسماء يحذف منه فى معظم الأحيان حرف الهاء الأخير . والملكة العربية السورية المعروفة بـ زنوبيا (4) يعتبر اسمها خير دليل على ذلك .
وهذا الاسم المختصر ياه يترجمونه فى الإنجليزية الحالية إلى كلمة ( JAH ) حيث تم تصويت حرف الياء إلى الحرف ( J ) الإنجليزى منذ نهاية القرن السابع عشر الميلادى من بعد أن كان يكتب بحرف ( I ) فى الإنجليزية القديمة . مثل الاسم يعقوب يكتبونه حاليا جاكوب ( Jacob ) ويوسف يكتبونه جوزيف ( Joseph ) .
وهناك محاولة قديمة قام بها آباء الإسكندرية اليونانيون حين ترجموا اسم الإله يا إلى كلمة أَيُّوه الإسكندرانية الشهيرة ..!! ولا يزال الإسكندريون ينطقونه حتى يومنا هذا مع جهلهم بمعناه ..!!
وسوف أذكر للقارئ عشرة أسماء فقط اخترتها من بين عشرات الأسماء الإسرائيلية الواردة فى نصوص الكتاب المقدس لتكون نموذجا أستعين به فى هذه الدراسة . مع ملاحظة أنَّ شرح معنى كل اسم منقـول عن قاموس الكتاب المقدس العربى طبعة دار الثقافة بالقاهرة :
إرميــــا إرم يا ومعناه الرب يؤسس أو يثبت .
أشعيـــا أشع يا ومعناه الرب يخلص .
إيليَّـــــا إيلى يا ومعناه يا إلهى أو إلهى يا .
حزقِيَّــا حزقى يا ومعناه الرب يقوى أو الرب قوى .
زكريَّــا زكرى يا ومعناه الرب قد ذكر .
صدقيَّـا صدقى يا ومعناه الرب عدل .
طوبيَّــا طوبى يا ومعناه الرب طيب .
عوبديا عوبد يا ومعناه عبد يا .
نحميــا نحم يا ومعناه الرب تحنن .
يحيــى يحى يا قياسا على ما سبق يكون معناه الرب يحيا .
قلت جمال : وفى الأسماء العشرة السابقة والمستخرجة من أسفار الكتاب المقدس نجد أنَّ علماء المسيحية قد شرحوا المقطع الأخير ( يا ) بأنه الرب أو الإله المعبود . وهذا الأمر يسعنى كما وسعهم فى أن أقول بمثل ما قالوه ..!!
ولمزيد الإفادة فهناك عبارة مشهورة يعرفها ويحفظها جميع المسيحيين واليهود فى جميع أنحاء العالم وبلغاتهم المختلفة ، إنها عبارة ( هلِّلُو يَا ) التى لم تترجم إلى لغات العالم المختلفة حتى الآن ، والواردة حوالى ( 21 ) مرة فى سفر المزامير وأربع مرات فى سفر الرؤيا . ولم يترجم معناها الحقيقى حتى الآن إلى العربية ..!!
والقوم لا يحبون الأصول العربية لكلمات الكتاب المقدس بعهديه ..!!
هذه العبارة التى يقول عنها علماء المسيحية الغربيون إنَّ معناها مجدوا الرب ( glorify the God ) أو بمعنى ( praise the God ) أى اشكروا الرب أو احمدوه . هذه العبارة نجدها ترد فى سفر دانيال ( 2 : 23 ) حسب اللسان العربى ذو اللغة الآرامية المكتوب بها ذلك الجزء من السفر . وهى مشتقة من الفعل الآرامى سَبَّحَ . بمعنى أنَّ عبارة هلِّلُويا معناها سَبِّحُويا . وهى صيغة تنزيه وتقديس مثل قول المسلمين سبِّحوه مع ملاحظة أنَّ الهاء تشير إلى الله سبحانه وتعالى .
وفى لغتنا العربية نستطيع أن نستخرج معنى هلِّلُو يا من داخل المعاجم العربية بسهولة . فقولنا هلَّلَ الرجل معناه قال بصوت مرتفع لا إله إلا الله . بمعنى أنَّ العبارة فيها توحيد وتنزيه للإله ، أى وَحِّدُوا يا أو وحِّدُوا الله أو وَحِّدُوه . ولكن العبارة لا تزال كما هى فى الترجمات العربية للكتاب المقدس بدون ترجمة أو تفسير لأنها تتعارض مع عقيدة التثليث ..!!
والآن وبعد التَعَرُّف على الاسم المختصر يا فى آخر الأسماء المركبة من مقطعين ، نستطيع أن نقرأ كلمة مِسِّــيَّا وفق قراءاتهم للأسماء العشرة السابق ذكرها بدون حرج أو ادعاء كاذب .
إنها مركبة من المقطعـين ( مِسَّا ) و ( يا ) (5) . ولك أن تقول من الاسمين ( مِسَّا ) و ( يا ) . وسوف نواصل البحث بإذن الله تعالى عن الاسم ( مِسَّا ) وصُوَرِه المختلفة فى نصوص الكتاب المقدس .
ثانيا : قراءات الاســـم مسَّـا .
يلاحظ فى ترجمات الكتاب المقدس العربية أنَّ كلمة مِسِّـيَّا تأتى فيها بفتح حرف الميم تارة وكسرها تارة أخرى ، ولهذا لن أقتصر فى هذه الدراسة على تتبع حالات كسر الميم ( مـِ ) فقط وإنما سوف أذكر حالات فتحها أيضا ( مـَ ) فكل ذلك وارد فى نصوص العهد القديم .
والجذر اللغوى الذى نبحث عنه هو الجذر ( مـ س س ) للمقطع الأول من المصطلح مِسِّـيَّا وهو الموجود فى أصل الكلمة (6) حسب الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية ( L X X ) .
حالة فتح الميم مع تشديد حرف السين
ابحث معى أيها القارئ الباحث عن الحق والحقيقة فى أى قاموس إنجليزى أو يونانى لكلمات الكتاب المقدس وابتعد عن القواميس العربية أو المترجمة إلى العربية .
ثم ابحث معى عن الكلمة مَسَّا بفتح الميم والتى تكتب فى الإنجليزية هكذا ( Massa ) فسوف تجدها فى سفر التكوين ( 25 : 14 ) وفى سفر الأخبار الأول ( 1 : 30 ) .
هذه الكلمة وردت فى هذين الموضعين كاسم علم للابن السابع لإسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ..!!
فإن قرأت فى الموسوعات والأطالس الجغرافية الكتابية عن مكان إقامة مَسَّا وذريته ، سوف تجده فى الشمال الغربى لشبه الجزيرة العربية . مع ملاحظة أنَّ خطوط الطول والعرض للمواقع الجغرافية الواقعـة داخل شبه
الجزيرة العربية سوف تتحرك عن أماكنها صوب الشمال دائما فى الكتابات المسيحية (7) ..!!
جاء فى دائرة المعارف الكتابية المصورة الأمريكية أنَّ مَسَّا هو الابن السابع لإسماعيل بن إبراهيم عليه السلام (8) . وقد ورد اسم قبيلة مَسَّا و اسم قبيلة تيما أخوه فى وثائق الملك الآشورى تجلاث فيلاسر الثالث ( 745 ـ 727 ق . م ) . حيث كانت هاتان القبيلتان القاطنتان فى الشمال الغربى لجزيرة العرب تدفعان الجزية إلى الملك الآشورى العربى فى ذلك الوقت (9) .
وعُثِرَ فى منطقة جبل كنعان على وثيقة من القرن السادس قبل الميلاد تبين تواجد قبيلة مَسَّا فى المنطقة الواقعة بين الجوف و تيما . وقد بَيَّنَ الموقع أكثر دِقَّة علماء آخرون فقالوا بأنها كانت تقيم فى منطقة العلا حاليا بالدولة السعودية . هذا وقد أشار إلى قبيلة مَسَّا الجغرافى اليونانى القديم بطليموس تحت اسم مَسَنُوى ( Masanoi ) كإسم لمنطقة فى الصحراء العربية .
وإن تابعت قارئى العزيز بحثك معى عن الكلمة مَسَّا فسوف تجدها أيضا فى سفر الأمثال ( 30 : 1 ؛ 31 : 1 ) . اقرأ معى مثلا نصّ سفر الأمثال ( 30 : 1 ) من نسخة كتاب الحياة المصرية : " هذه أقوال أجور بن متقية من قوم مَسَّا " . وجاء النصّ فى نسخة الآباء العربية ط 1991هكذا : " أقوال آجور بن باقة المَسَّاوى " .
فـ أجور بن متقية أو آجور بن باقة قالت عنه النسخة المصرية أنه من قوم مَسَّا . ونسبته النسخة اللبنانية لـ مَسَّا فقالت عنه المَسَّاوى . فالمَسَّاوى نسبة إلى مَسَّا سواء كان مَسَّا اسم بلد أو اسم قبيلة أو اسم الجدّ الأعلى .
وعلماء المسيحية فى الشرق والغرب يعلمون جيدا أنَّ أجور هذا عربىّ ابن عربىّ (10) موطنـه جزيرة العرب ، ومن المستهجن عندهم أن تسجل أقوال رجل مثل أجور العربىّ فى سفر يهودى يتعبد به اليهود والمسيحيون . فما كان منهم إلا أن تلاعبوا فى ترجمة كلمة مَسَّا المنسوب إليهــا ذلك العربىّ فحاروا قديما وداروا حديثا حول ترجمة الكلمة مَسَّا .
فظهرت لنا الكلمة تحت ثوب كلمة وَحْىّ ( oracle ) فى الترجمات اليونانية والإنجليزية المعروفة ( LXX ; NASB ) كما وردت أيضا الكلمة تحت ستار نبوءة ( prophecy ) فى ( نسخــة الملك جيمس المعتمدة AV ) ثم تغيرت هذه الكلمة إلى نُطْق أو تَلَفُّظ ( utterance ) فى نسخة الملك جيمس ولكن الجديدة ( NKJV ) ..!!
والكلمة لا تزال كما هى فى بعض النسخ مثل ( NEB ; RSV ) الإنجليزية والعربية حيث نجدها تشير إلى اسم بلد أو اسم قبيلة فى جزيرة العرب ..!!
وفى نصّ سفر الأمثال ( 31 : 1 ) نجد عبارة ملك مَسَّا وبنفس الطريقة تم التشويش على كلمة مَسَّا لتختفى من النصّ فى بعض نسخ الكتاب المقدس حديثة الترجمة .
وكل هؤلاء الأشخاص المذكورين تحت كلمة مَسَّا ما هم إلا بشر من ذرية مَسَّا ابن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ، ولكن القوم يقولون
عنهم بأنهم جميعا أبناء هاجر ( Sons of Hagar ) ..!! أى العرب الإسماعيلية المنسوبين إلى إبراهيم عليه السلام عن طريق زوجته المصرية هاجر ..!!
وهناك المزيد من هذه الأسماء المذكورة بفتح الميم وتشديد السين نجدها فى الأسفار الأبوكريفية ، يشار إليها تحت كلمـة ( Massias ) لن أستشهد بها حتى لا يعارضنى القوم فيما أذهب إليه ..!!
حالة كسر الميم مع المحافظة على تشديد السين
فى سفر التكوين ( 10 : 30 ) نجد الكلمة العبرية مِيشَا مكتوبة فى الترجمات العربية للكتاب المقدس بدون التصويت العربى أو العبرى القديم . المعروف بشفة كنعان . وهذا الأمر يدعو الباحث عن الحقيقـة أن ينظر فى النسخة اليونانية السبعينية المكتوبة من قبل النسخة العبرية الجديدة بحوالى 1300 سنة (11) حيث نجد أنَّ الكلمة مِيشَا مكتوبة فيها هكذا ( μασσε ) والتى تنطق مَسِّى أى بفتح حرف الميم وتشديد حرف السين . ومعلوم أنَّ حرف الشين فى العبرية الجديدة يعادل حرف السين فى العربية فيكون النطق اللغوى العربى الصحيح للكلمة هو مَسِّى مطابقا للقراءة اليونانية وليس مِيشَا كما هو مسجل فى الترجمات العربية ..!!
جاء فى موسوعة (The New Bible Dictionary ) عن هذه الكلمة ما معناه " اسم مكان يشير إلى نهاية حدود المناطق التى كان يقيم فيها ذرية يقطين ( تك 10 : 30 ) . والنهاية الحدودية الثانية هى ظِفَار (sephar ) . وهناك بعض الوثائق القديمة ترد فيها الكلمة مَسَّا بدلا من مِيشَا وهى تقع جغرافيا فى جنوب الجزيرة العربية " (12) .
وجاء فى قاموس الكتاب المقدس نشر دار الثقافة بالقاهرة عن يقطين ( يقطان ) : " هو شخص أو بالأحرى قبيلة من نسل سام ، تفرعت منها ثلاث عشرة قبيلة عربية ( تك 10 : 25 ـ 30 ؛ 1 أخبار 1 : 19 ـ 23 ) " (13) .
قلت جمال : فالاسم عربى أصيل وقديم جدا منذ عصر أبناء نوح عليه السلام لأنَّ يقطين هذا هو أحد أحفاد نوح عليه السلام . حسب ما جاء فى التوراة .
تعليق على ما سبق :
فى حالات بحثنا عن الكلمات الواردة فى أسفار العهد القديم والمشتقة من الجذر ( مـ س س ) وجدناها كلها أسماء لأشخاص عرب أقحاح يسكنون شمال وجنوب جزيرة العرب . فـ مِسَّا و مَسَّا نجدهما فى أقصى الجنوب العربى لشبه الجزيرة العربية وحتى أقصى الشمال الغربى منها . وتتبادل المعانى والترجمات ما بين أسماء أشخاص أو أسماء مواقع جغرافية أو نبوءة أو وَحْىّ . وجميعها تنحصر جغرافيا فى شبه الجزيرة العربية كما أنه لا يوجد بين هذه الأسماء اسم إسرائيلي واحد ..!!
مع التنبيه بأنه قد يقع بعض المتسرعين من علماء المسيحية على أسماء يهودية تتشابه مع المصطلح الذى بحثنا عنه ولا نزال نبحث عنه .
فالأسماء اليهودية الواردة فى نصوص الكتاب المقدس والقريبة من الجذر ( م س س ) مشتقة من الجذر اللغوى ( م س ى ) وليس ( م س س ) والمعنيان مختلفان تماما . فـ مَـِسّ أو مَـِسّا بتشديد السين غير مَـِسى أو مَـِسا بتخفيف السين . فهناك على سبيل المثال كاهن يهودى اسمه ماسِيَّا ( Maaseiah ) مذكور فى عزرا ( 10 : 22 ) لاحظ عدم تكرار حرف ( S ) ، وهذا الاسم يترجمونه فى النسخ العربية إلى ( مَعْسِيا ) ..!! ومثل ذلك من أسماء لم أذكرها هنا لبعدها عن مجال هذه الدراسة .
ثالثـــا : جنسيــة المِسِّـــــــــيَّا .
وهنا سوف نحاول بإذن الله تعالى أن نستخرج شهادة جنسية لهذا المصطلح اللغوى مِسِّـيَّا أو بما يسمى عند البعض بشهادة الأصل والمنشأ ..!!
سبق أن عرفنا فى أول الدراسة أنَّ أسماء الأشخاص فى معظم أحوالها تدل على جنسية أصحابها وموقع بلادهم ، فما بالك أيها القارئ الباحث عن الحق والحقيقة فى اسم يدل على نوع معين من البشر ( generic noun ) ..!؟
إنه الاسم مِـَسَّا بفتح الميم وكسرها وتشديد السين . إنه اسم لم يتَسمَّ به إلاَّ العرب خاصة . ولم تُعْرَفْ بقعة من الأرض تسمى مِـَسَّا إلاَّ المنطقة العربية التى سكنتها ذرية مِسَّا ب إسماعيل بن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام . وكل مَن ينتسب إلى هؤلاء القوم العرب أحفاد مِسَّا يطلق عليه اسم المِسِّى . فكلمة المِسِّى أو المَسِّى تشير إلى جنسية صاحبها . فإن أضفت إليها اسم إله العرب القدماء ( يا ) تصبح الكلمة مِسِّـيَّا وهى التى قامت عليها هذه الدراسة وحولها . فكل من تسَمَّى بهذا الاسم المبارك مِسِّـيَّا لابد وأن يكون عربياً إسماعيلياً وأن يكون متصلا بالإله يا .
والتاريخ المًدوَّن لم يعرف إلاَّ شخصية عربية إسماعيلية واحدة كانت على صلة بإله السماوات والأرض .
فالملك عجور ـ أجور ـ المذكور فى سفر الأمثال ( 30 : 1 ؛ 31 : 1 ) كان عربيا من قوم مِسِّا كما جاء فى نسخة كتاب الحياة ، وكان مِسَّاويا كما جاء فى نسخة الآباء العربية . أى أنَّ جنسيته مَسِّى نسبة إلى جَدِّه الأكبر مَسَّا تماما كما ينسب الإسرائيلى إلى جَدِّه الأكبر إسرائيل . ولكن عجور لم يكن متصلا بالإله يا . فاكتفوا بنسبته إلى جَدِّه الأكبر فقالوا عنه مَسَّاوى أو مَسِّى أى عربى إسماعيلى .
أمَّا عن تلك الشخصية العربية الإسماعيلية والتى على صلة بالإله فهى مِسِّـيَّا . ويكون المعنى المبدئى لكلمة ( المسِّى ـ يا ) هو ( نبىّ يا ) العربىّ الإسماعيلىّ بدون تعسف فى الاستنباط والتخريج . وسبق أن علمنا أنَّ الاسم يا هو الاسم المختصر لرب السماوات والأرض عند العرب القدماء وهو الله . فيكون المعنى الحرفى للمصطلح مِسِّـيَّا هو نبىّ الله مثل قولهم عن أنبياء بنى إسرائيل أرميا وأشعيا وزكريا ... الخ .
وسوف أبحث بعون الله تعالى بعد قليل عن المعنى اللغوى لكلمة مِسَّا أو مَسِّى لنضبط المعنى الدقيق لكلمة نبىّ التى ذكرتها سابقا . وقبل البحث عن المعنى اللغوى للمصطلح لابد أن نبحث أولا فى التأصيل اللغوى للاسم مِسَّا .
لم يقم أحد من علماء المسيحية ـ حسب علمى ـ بترجمة الاسم مِسَّا بن إسماعيل عليه السلام إلى اللغات الأوروبية المختلفة وإنما نقلوه كما هو مُصَوَّتاً بلغته الأصلية إلى اللغات المختلفة . وهذا خلاف فعلهم مع معظم الأسماء الواردة فى نصوص الكتاب المقدس . فعلى سبيل المثال نجدهم يترجمون اسم عيسى عليه السلام إلى جيسس فى الإنجليزية وإلى يسوع فى العربية وإلى غير ذلك من أشكال سبق ذكرها فى كتابى معالم أساسية . ولكن الاسم مسَّا ظل كما هو فى جميع اللغـات إلى الآن . ومرجع ذلك أنَّ القوم لا يعرفون له جذرا لغويا يشتق منه الاسم سواء كان ذلك فى اللغة العبرية الجديدة أم اليونانية . فالجذر ( مـ س س ) الذى يأتى منه الاسم مسَّا لا يوجد إلا فى اللسان العربى .
وجميع الكلمات الواردة فى الكتاب المقدس والتى ترجع معانيها إلى معانى كلمة ( مـ س س ) العربية ومشتقاتها ، نجد أنَّ أصولها فى اللغتين العبرية والآرامية تتوافق تماما فى النطق الفينولوجى مع احتمال احتفاظها بالمعنى العام كما سنرى قريبا بإذن الله .
والمترجمون لم يقوموا بترجمة الأسماء مِسَّا و مسِّيَّا حسب المعنى وإنما نقلوها كما هى بذات التصويت اللغوى العربى . وهذا معناه الوحيد أنَّ الأصل اللغوى عربىّ صميم ، ولكن الله سبحانه وتعالى قد صرفهم عن البحث عن معناه فى اللسان العربى القديم حتى يصل إلى عصر التدوين والنور ..!!
وفى القواميس اللغوية الكتابية نجدهم يشرحون معنى الأسماء مِسَّا و مسِّـيَّا بدون ذكر الجذر اللغوى المشتقة منه هذه الأسماء خلافا لما يفعلونه فى سائر كلمات الأسفار اليهودية والمسيحية . فقالوا عن المِسَّا أنَّ معناه حِمْلُ أو ثِقَل بدون إثبات الدليل أو الإشارة إلى اللغة التى أخذوا عنها هذا المعنى . وقالوا عن المسـيا أنَّ معناه هو المَدْهُون أو المَمْسُوح ولم يذكروا الجذر اللغوى الذى اشتقت منه هذه الكلمة . وإنما ذكروا جذرا لغويا آخر لا علاقة له بهذه الكلمة وهو الجذر ( مـ س ح ) وهذا كلام لا يستقيم أبداً حيث أنَّ أصله أَعوج .
فأين حرف الحاء فى كلمة مسِّـيَّا حتى نتأكد إنها مشتقة من الجذر العربى أو العبرى ( مسح ) ..!؟ وأى إنسان على إلمام بسيط باللغة يعلم جيدا أنَّ كلمة مسِّـيَّا لا يمكن أن تختصر لتصبح مَسَحَ فكيف بأكابر علماء القوم ..!؟ ونصوص الكتاب المقدس تقف فى وجههم وتشير إلى جنسية أصحاب هذه الأسماء المشتقة الأسماء المشتقة من الجذر ( مـ س س ) ، وإلى الأماكن الجغرافية التى سكنها هؤلاء القوم . إنهم العرب سكان شبه الجزيرة العربية .
ولذلك نجد أصحاب دائرة المعارف القياسية العالمية للكتاب المقدس يقولون عن هذه الأسماء المشتقة من الفعل ( مـ س س ) مثل مِسَّا و مَسَّا :
" أنَّ التفسير الظاهرى للكلمة هو الأكثر احتمالا حيث أنَّ أسماء الأشخاص غير عبرانية . وهى تظهر فى الأسماء المعينية (14) وأيضا نجدها تظهر فى الوثائق والحفريات العربية القديمة بجنوب جزيرة العرب " (15) .
فالأسماء عربية والاشتقاق اللغوى عربى صميم مائة فى المائة وجنسية المِسِّـيَّا عربية مائة فى المائة . ويتبقى علينا دراسة هذا الاسم فى اللغة العربية والتعرف على معناه كما جاء فى لغته الأم العربية .
فالجذر ( مـ س س ) الذى يأتى منه الاسم مسَّا لا يوجد إلا فى اللسان العربى . وإن وجده القارىء لأسفار العهد القديم بالحرف العبرى ( חשש ) إلا أنَّ استخداماته فى العبرية قليلة جدا كما سنرى .
رابعـــا : معنى المصطلح مِسِّـيَّـا
أعتقد أنَّ أمر دراسة معنى المصطلح مِسِّـيَّا أصبح ميسورا بعد أن تمكنا بعون الله وقدرته من حَلّ الشفرة الإسرائيلية التى كتب بها ذلك المصطلح السامى الأصل . وهذا خلاف أقوال علماء المسيحية قاطبة الذين لم يفطنوا إلى أنَّ هذا المصطلح مكتوب بالشفرة الإسرائيلية . فقالوا ما قالوه عن معناه من قبل فك شفرته . فكانت أقوالهم بعيدة كل البعد عن الحق والحقيقة . وإليك نماذج أخرى من أقوالهم قبل بيان الحق وشرح المعنى الصحيح .
تذكر جميع القواميس والموسوعات الكتابية أنَّ الاسم مِسِّـيَّا يعادل فى معناه الاسم المَسِيح ، وكلا الاسمين مشتق من مادة ( مـ س ح ) العبرية . والمعنى هــو مَسَحَ بلطف ( touch lightly ) أو دهــن بالزيت ( rub with oil ) . وبالتالى فالمعنى الجامع لهما هو المَمْسُوح ( the anoint ) (16) .
وقد سبق إثبات أنَّ ذلك المعنى غير صحيح فى حق شخص المَسيح عليه السلام فلم يكن أبدا فى يوم من الأيام مَمْسُوحا لا بزيت ولا بدهن ولكنه كان مَسِيحًا يَمْسَحُ بيده الشريفة على المرضى والموتى فيقومون مُعَافَى الأبدان بإذن الله . كما أنَّ الجذر ( مـ س ح ) يختلف تماما عن الجذر ( مـ س س ) فى اللغة الآرامية والعبرية القديمة لغة الأسفار اليهودية .
وأمَّا عن الشق الأول من المصطلح مِسـِّيـَّا وهو الاسم مِسَّـا فقد قال عنه المتخصصون الغربيون أنَّ معناه حِمْل ( load ) أو ثِقَل ( burden ) وقالوا أيضا وَحْىّ ( oracle ) أو نبوءة ( prophecy ) (17) . وفى الترجمة الجديدة لنسخة الملك جيمس فقد وردت الكلمة بمعنى تَفَوُّه أو تَلَفُّظ ( utterance ) .
كل ذلك وبدون الإفصاح عن الجذر اللغوى الذى جاءت منه تلك المعانى الغريبة التى لا تجتمع على جذر لغوى واحد ..!!
ولقد فهم أحد الرهبان المصريين المولعين بالتأليف بأنَّ معنى كلمة المِسِّـيَّا عند اطلاقها على المسيح عليه السلام تعنى حَمَل بفتح الحاء والميم بمعنى خروف ، فقال إنَّ المسِّـيَّا هو حَمَلُ الله حتى ينطبق ذلك المعنى على النصّ المنسوب إلى المعمدان والوارد فى إنجيل يوحنا ( 1 : 29 ) على المسيح عليه السلام . ولم يفطن هذا الراهب متى المسكين إلى الفرق فى معنى الكلمة عند اختلاف تشكيلها فـ حِمْل غير حَمَل . فالأولى بمعنى ثِقْل يُحْمَل ( load ) ..!! والثانية بمعنى خروف يؤكل ( lamb ) ..!!
ولم يكن المِسِّـيَّا يشكل ثقلا لأحد ينوء بحمله كما لم يكن خروفا حتى يأكله أتباعه وكل ذلك تخاريف من لا يعلمون ..!!
وبما أنَّ المترجمين للعربية قد حَوَّلُوا الاسم مِسِّـيَّا إلى الاسم مَسِـيَّا أو مِسْيا (18) بتخفيف السين إمَّا بكسرها وإمَّا بتسكينها ، ومِن ثمَّ فقد تغير المعنى وأيضا الجذر اللغوى . فبدلا من ( مـ س س ) أصبح ( مـ س ى ) ولقد قال علماء العربية فى المعاجم اللغوية أنَّ المَسْىَ ليس من المسّ فى شئ . قال الأزهرى : " إنما الماسى هو الذى يدخل يده فى حياء الأنثى لاستخراج الجنين إذا نشب ، يقال مسيتها مسيا . روى ذلك أبو عبيدة عن الأصمعى . وليس المَسْى من المسّ فى شئ (19) وقال الراغب " المسّ كاللمس ولكن المسّ يقال لطلب الشئ وإن لم يوجد . واللمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس " (0) .
قلت جمال : فكلمة الماسى أو المَسِـيَّا المستخدمة فى الترجمات العربية للكتاب المقدس عَلماً على المسيح عليه السلام تعنى بحسب هذا التخريج : الشخص
الذى يستخرج المولود من حياء أمه بيده أى الداية كما نقول فى عاميتنا أو الطبيب الموِّلد فى لغتنا الراقية ..!!
فهلاَّ تراجع علماء المسيحية العرب عن استخدام ذلك المصطلح العربى المضحك ورجعوا إلى أصول كتابهم اليونانى والآرامى وقالوا مِسِّـيَّا بدلا من مَسِيَّا .. !!؟
وهَلاَّ تراجع علماء المسيحية الأوروبيون والأمريكيون عن شرح الاسم مِسِّـيَّا والذى يكتبونـه بالإنجليزية ( Messiah ) بأنَّ معناه هو ( Jesus ) أى عيسى (1) ..!!؟ مع أنَّ الكلمة ليست إنجليزية أو يونانية أو لاتينية حتى يقولوا ذلك وإنما هى عربية مائة فى المائة ..!؟
أمَّا عن المسّ ( مِن الجذر مـ س س ) فى اللسان العربى فهو مشهور معروف . وفى كتاب الله تعالى مذكور ، وقد آن الأوان لشرح المعنى وإظهار الحقيقة .
يقال مَسَّ الشئ مَسَّا : لمسه بيده . وفى اللسان المبين (لا يمسّه إلا المطهرون ) . ويقال : ماسَّ الشئ مماسَّة و مساسا : لقيه بذاته . و تماسَّ الجرمان : مسّ أحدهما الآخر . وفى اللسان المبين فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا ) .
وتقول العرب عن الوصال الجنسى مَسَّها و ماسَّها . وقوله تعالى : ( من قبل أن تمسُّوهن ) فيه قراءة ( تماسُّوهن ) والمعنى واحد . وجاء فى اللسان المبين عن مريم عليها السلام ( قالت أنَّى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر ) .
وجاء أيضا قوله تعالى ( إذا مَسَّهُ الشر جذوعا وإذا مَسَّهُ الخير منوعا ) .
ومادة ( مـ س س ) كثيرة الورود فى القرآن الكريم وفى التراث العربى القديم والحديث ، فلن أطيل فى ذكر الشواهد .
فـ الماسُّ : وصف من مسَّ ، وهى ماسَّة و مُسَّة . والاسم العربى القديم مَـِسَّا للمُذكر مذكور فى أسفار العهد القديم . والاسم مُسَّة للمؤنث لم يستخدمه أيضا إلاَّ عرب الجزيرة العربية ففى التراث العربى الإسلامى نجد هذه الصيغة المؤنثة مُسَّة . فعلى سبيل المثال هناك مُسَّة الأزدية التابعية التى روى عنها الثقات عدة أحاديث . وهناك أيضا الاسم مَسَّة المذكور فى العهد القديم للكتاب المقدس علماً على بقعة من الأرض العربية سواء كانت فى داخل شبه الجزيرة العربية أو بالمنطقة الشرقية من سيناء مصر كما ورد فى ( خروج 17 : 7 ؛ تثنية 6 : 16 ؛ 9 : 22 ؛ 33 : 8 ؛ مزمور 95 : 8 ) . والمسَّـة أيضا لعبة للعرب وهى الضبطية ، وهى التى نطلق عليها حاليا عسكر وحرامية .. !!
فمعنى الاسم مسَّا و ماسَّا هو الواصل للشئ حتى يمسُهُ أو يلامسه والوصول أو الاتصال هنا بين شيئين أو طرفين .
والأمر كما هو مبين فى الشكل التوضيحى التالى :
الطرف الأول ® ( مسَّا أو ماسَّا ) ¬ الطرف الثانى
( هو الموصل بين الطرفين )
والواصل أو الموصل بين الشيئين ( مسَّا أو ماسَّا ) يمكننا اعتباره رَسُول أو مُرْسَل من أحد الطرفين إلى الآخر . فإن كان أحد الطرفين هو الإله يا والطرف الآخر هو البشر . فالمعنى حينئذ يكون واضحا جدا وخاصة إذا كان هذا الرسول يشار إليه بالعبارة مِسِّا يا .
فـ المِسِّيـَّا هو ذلك الإنسان العربى الإسماعيلى الذى اتصل بالإله فكان رسول الإله إلى البشر . إنه رسول يا . فإن كان الاسم المختصر ( يا ) هو الله تعالى كما يقولون فإنَّ المعنى العربى اللغوى لكلمة المِسِّيـَّا هو ( رسول الله ) ولا معنى لها غير ذلك .
وهذا الاسم العربى القديم المِسِّيـَّا لم يوصف به فى الكتاب المقدس كله إلا شخص واحد ذُكِرَ اسمه فى سفر دانيال مرتين وفى إنجيل يوحنا مرتين . فهل اقتنع القارئ ..!؟
إنها محاولة يعلم الله أنِّى لم أجد مَن طَرق بابها قبلى فإن كانت صوابا فهى من عند الله ، وإن كانت الأخرى فهى من عند نفسى . ولمزيد من الاطمئنان أذكر ملخصاً لما سبق وروده مع اضافة جديدة لنشاهد مدى انطباق ذلك المعنى على رسول الله النبىّ العربىّ الإسماعيلىّ صلى الله عليه وسلم :
1 ـ الاسم مِسِّيـَّا مكون من اسمين مِسـِّا و يا . والاسم الأول عربى صميم بشهادة أسفار العهد القديم . والاسم الثانى هو الاسم المختصر لإله السماوات والأرض عند العرب القدماء وعند بنى إسرائيل بشهادة الآثار العربية ونصوص العهد القديم .
2 ـ أنَّ جنسية أو شهادة المنشأ للـ المِسـِّا تشير إلى أنه عربىّ إسماعيلىّ من أهل الجزيرة العربية حسب نصوص الكتاب المقدس .
3 ـ أنَّ المِسـِّا أو الماسَّا هو الذى يقفل الدائرة الكهربائية فى مفهومنا العلمى الحديث ، أى يتَمِّمَ عمل من قبله ولن يكون هناك ماسَّا من بعده لأنَّ طرفى الدائرة قد اتصلا ببعضهما . بمعنى أنه خاتم رسل الله فلن يكون هناك رسلا من بعده . وهذا المعنى مذكور فى القرآن والحديث ، كما أنه مذكور أيضا وبوضوح فى سفر دانيال ( 9 : 24 ) فعند قدوم المِسِّيـَّا تختم النبوة ويؤتى بشريعة البر الأبدى . ورسول الله صلى الله عليه وسلم الإسماعيلىّ العربىّ قد تحققت فيه هذه الأوصاف .
هذا وقد سبق أن شرَحَ المَسِيحُ عيسى عليه السلام معنى ذلك المصطلح المِسِّيـَّا منذ ألفى سنة لأتباعه وقال لهم إنه رسول الله الآتى من بعدى . ولكن القوم أضاعوا أقوال المسيح عليه السلام ولم يلتفتوا إليها ويأخذوا بها .
فالحمد لله أولا وآخرا أن وفقنى لحل شفرة ذلك المصطلح الإسرائيلى بفك الاشتباك بين الاسمين مِسـِّا و يا . ويمكن لأى عالم مسيحى يعرف شيئا من اللسان العربى القديم وجغرافية المنطقة العربية ، وبمساعدة نصوص الكتاب المقدس يمكنه أن يقول بمثل ما قلت وأوضحت بدون تردد . وإن كنت شاكا فى كلامى أيها القارئ فليس أمامك إلا إدخال هذه البيانات المذكورة فى نصوص كتابك المقدس إلى أى جهاز متخصص فى حل الشفرة فسوف تحصل على نتائج مشابهة .
الصيغة الفعلية للجذر ( مـ س س )
وبعد أن تم بحمد الله فك شفرة الكلمة مِسِّـيَّا فى صيغتها الإسمية ومعرفة معناها . أذكر هنا الكلمة فى صيغتها الفعلية كما وردت فى أسفار العهد القديم . وذلك زيادة تأكيد للقارىء الباحث عن الحق والحقيقة .
وقد سبق أن قرأنا تخبط علماء المسيحية فى بيان معنى كلمة مِسِّـيَّا بدون إفصاحهم عن الجذر اللغوى الذى به يُعرف معنى الكلمة . وسبب ذلك أنهم يتناقلون أقوال مَن سبقوهم بدون فهم أو بحث وراء أقوالهم أو التأنى فى مراجعة أصول كتابهم المقدس .
وها أنا أبيّن للقرَّاء أنَّ الكلمة مَسَّ ( مِن الجذر مـ س س ) قد وردت فى أسفار العهد القديم بالخط العبرى ( חשש مـ ثم س ثم س ) أى أنها الجذر الذى نبحث عنه مَسَّ . وهذه الكلمة نجدها فى القواميس الكتابية العبرية تحمل الرقم ( 4959 ) . وفيها تحول حرف السين العربى إلى الشين العبرية كما هو معروف . ووردت أيضا فى النسخة اليونانية السبعينية هكذا ( μασσω ) وتنطق مَسُّ بفتح الميم ثم بتشديد السين مع رفعها .
واستخدامات هذه الكلمة فى اللغة العبرية قليلة جدا لأنَّ أصلها آرامى عربى كما سبق الكلام على صيغتها الإسمية . فقد وردت الكلمة برسمها العبرى واليونانى السابق فى سفر التكوين ثلاث مرات . وفى سفر التثنية مرة واحدة . وفى سفر أيُّوب مرتين .
واختلف المترجمون فى ترجمة معناها فى المواقع السابقة .
فاستخدم المترجمون إلى العربية كلمة جَسَّ ( ج س س ) بدلا مِن الأصل مَسَّ وذلك فى فقرة ( تك 27 : 12 ) ، والجَسّ غير المَسّ وإن اشتركا فى المعنى العام . مع أنَّ الفقرة تتكلم عن وضع يد اسحاق على بشرة ابنه يعقوب يتحسسه . فيا ليتهم قالو حَسَّه بالحاء بدلا مِن جَسَّه بالجيم . فالتجسس بالجيم هو أن يطلب الشىء لغيره ، والتحسس بالحاء هو أن يطلبه لنفسه . ومَسّ اسحاق لبشرة ابنه يعقوب كان طلبا لنفسه فيقال تحسسه بالحاء .
واستخدموا أيضا الكلمة جَسَّ بدلا مِن الأصل مَسَّ فى الفقرتين ( تك 31 : 34 ، 37 ) وهى هنا بمعنى تلمَّسَ الشىء أى يبحث عنه ويطلبه . والمعنى فى الفقرتين كان يدور حول تلمُّس لابان للأصنام التى خبأتها راحيل أى يطلب مَسَّها وصولا إليها .
واستخدموا كلمة تلمَّسَ فى الفقرات ( تثنية 28 : 29 ؛ أيوب 5 : 14 ، 12 : 25 ) وهى هنا بمعنى تلمَّس طريقه أى يتحسَّسَهُ أى يطلب مَسَّه وصولا إلى مراده .
أمَّا فى الترجمات الإنجليزية فقد ترجمت الكلمة مَسَّ إلى الكلمات الإنجليزية ( touch , feel , search , grope ) فضاع منهم الأصل الذى به يعرفون معنى وجذر المصطلح مِسِّـيَّا .
قلت جمال : هذه هى كل أماكن ورود الكلمة مَسَّ فى أسفار العهد القديم العبرى . ليس فيها معنى حِمْل ( load ) أو حَمَل أى خروف ، وليس فيها معنى ثِقَل ( burden ) أو وَحْى ( oracle ) أو نبوءة ( prophecy ) أو تفوَّه ( utterance ) أو مدهون أو ممسوح إلى غير ذلك مِن معان لا تجتمع على جذر لغوى واحد . وفى كل أماكن ورود الكلمة مَسَّ نجدها مُشتقة مِن الجذر مَسَّ ومعانيه المختلفة .
إنهم فى الحقيقة لم يقرؤا كتابهم جيدا فى لغته القديمة . فلا الصيغة الاسمية عرفوا معناها ولا الصيغة الفعلية حاموا حولها . فهل اقتنع قرَّائى الآن بصحَّة بحثى اللغوى عن الكلمة التى تاه فى معناها علماء المسيحية فى الشرق والغرب ..!؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله .
نصوص عيسوية بشأن المِسِّـيَّا
وهذه النصوص الواردة عن المسيح عيسى عليه السلام بشأن المِسِّـيَّا أذكرها هنا بغرض الاستئناس لا بغرض المحاجَّة والإلزام لأصحاب الديانة المسيحية . فذلك الفصل لا أهمية له فى بحثى إلا لزيادة الاطمئنان عند المؤمنين . فالقوم لا يريدون أن نحيلهم إلى إنجيل برنابا فى حواراتنا معهم . والحقيقة دائما ضالةُ ناشِدها . وقد تم والحمد لله فك شفرة المصطلح ومعرفة معناه من داخل نصوص الكتاب المقدس ، وبمعونة ما تم الكشف عنه من آثار كتابية للشعوب العربية القديمة . وهذه النصوص المذكورة هنا مأخوذة من إنجيل برنابا المترجم عن الإنجليزية بواسطة الدكتور خليل سعادة حيث يبين فيه المسيح عليه السلام أنَّ معنى كلمة مِسِّـيَّا هو رسول الله .
.. جاء فى إنجيل برنابا الفصل 42 ص 64 ، 65 ( فهرس إنجيل برنابا ) أنَّ المسيح عليه السلام قال لرؤساء الكهنة عندما سألوه من أنت ؟ فقال : " الحق أنى لست مِسِّيا . فقالوا : أأنت إيليا أو أرميا أو أحد الأنبياء القدماء ؟ . أجاب عيسى : كلا . حينئذ قالوا : من أنت . قل لنشهد للذين أرسلونا ..؟ فقال حينئذ عيسى : أنا صوت صارخ فى اليهودية كلها . يصرخ أعدوا طريق رسول الرب كما هو مكتوب فى أشعيا . قالوا : إذا لم تكن المسيح ولا إيليا أو نبيا ما فلماذا تبشر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنا من مِسِّـيَّا .. ؟ .
أجاب عيسى : إنَّ الآيات التى يفعلها الله على يدى تظهر إنى أتكلم بما يريد الله . ولست أحسب نفسى نظير الذى تقولون عنه . لأنى لست أهلا أن أحلّ رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذى تسمونه مِسِّـيَّا (21) . الذى خُلِقَ
قبلى وسيأتى بعدى ، وسيأتى بكلام الحق ولا يكون لدينه نهاية " انتهى .
.. وجاء فى إنجيل برنابا الفصل 82 ص 82 ، ص 83 حديث المسيح عليه السلام مع السامرية : أجابت المرأة : إننا ننتظر مِسِّـيَّا فمتى جاء يعلمنا . أجاب عيسى : أتعلمين أيتها المرأة أنَّ مِسِّـيَّا لابد أن يأتى ؟ . أجابت : نعم يا سيدى . حينئذ تهلل عيسى وقال : يلوح لى أيتها المرأة أنك مؤمنة ، فاعلمى إذا أنه بالإيمان بمسِّـيَّا سيخلص كل مختارى الله . إذا وجب أن تعرفى مجئ مِسِّـيَّا . قالت المرأة : لعلك أنت مِسِّـيَّا أيها السيد . أجاب عيسى : إنى حقا أرسلت إلى بيت إسرائيل نبىّ خلاص . ولكن سيأتى بعدى مِسِّـيَّا المرسل من الله لكل العالم الذى لأجله خلق الله العالم . وحينئذ يسجد لله فى كل العالم وتنال الرحمة ... " .
.. جاء فى إنجيل برنابا الفصل ( 96 ) الحوار الذى دار بين الكاهن وبين المسيح عليه السلام أمام الجماهير " قال الكاهن : انه مكتوب فى كتاب موسى أنَّ إلهنا سيرسل لنا مِسِّـيَّا الذى سيأتى ليخبرنا بما يريد الله وسيأتى للعالم برحمة الله لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق : هل أنت مِسِّـيَّا الله الذى ننتظره ..؟ أجاب عيسى : حقا أنَّ الله وعد هكذا ولكنى لست هو لأنه خلق قبلى وسيأتى بعدى ( راجع يوحنا 1 : 15 ) . أجاب الكاهن : إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبىّ وقدوس الله لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حبا فى الله بأية كيفية سيأتى مِسِّـيَّا ..؟ أجاب عيسى : لعمر الله الذى تقف بحضرته نفسى إنى لست مِسِّـيَّا الذى تنتظره كل قبائل الأرض . كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلا : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض . ولكن عندما يأخذنى الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأنى الله وابن الله فيتنجس بسبب هذا كلامى وتعليمى حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمنا . حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذى خلق كل الأشياء لأجله . الذى سيأتى من الجنوب بقوة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر ، وسيأتى برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به وسيكون من يؤمن بكلامه مباركا " .
.. وجاء فى إنجيل برنابا الفصل ( 97 ) ص 149 عن اسم المِسِّـيَّا :
" أنَّ اسم مِسِّـيَّا عجيب " وذكر أنَّ اسمه محمد . ولكن القرآن الكريم ذكر أنه أحمد صلى الله عليه وسلم .
.. وجاء أيضا فى الفصل 208 ص 208 : قال عيسى : " الحق أقول أنَّ ابن إبراهيم هو إسماعيل الذى يجب أن يأتى من سلالته مِسِّـيَّا الموعود به إبراهيم إنَّ به تتبارك كل قبائل الأرض " .
من كتاب نبي أرض الجنوب
ع . م / جمال الدين شرقاوى
الهامش
(1) .. التفصيل والإيضاح فى كتابى ( لا إله إلا الله فى الكتاب المقدس ) يَسَّر الله له طريق الخروج إلى النور .
وقد سبق الكشف عن هذا الاسم المقدس فى البحث الأول من كتابى " معالم أساسية فى الديانة المسيحية .
(2) .. راجع المجلد الثانى من ص 506 إلى ص 507 من دائرة المعارف :
( The International Standard Bible Encyclopedia )
(3) .. سبق الكلام عن هذه الكلمة ( القفار ) فى الأصول العبرية لهذا النصّ .. إنها ( عرفات ) ..!!
(4) .. وهذا الاسم مكون من شطرين ( زنوب ـ يا ) فالاسم الأول مشتق من الزينب ، ذلك النبات ذو الرائحة الجميلة
ومنه جاء الاسم ( زينب ) ، والاسم الثانى ( يا ) إشارة إلى الله .
(5) .. لاحظ أنَّ السين مُشدَّدة فى كلمة ( مِسِّـيَّا ) وأيضا ( الياء ) ، وعند فك الكلمة إلى مقطعين ، تتحول الياء
الأولى إلى ألف ، وتلك قاعدة متفق عليها عند علماء العربية ( قاعدة تبادل الهمزة مع الياء ) فتكتب هكذا
( مِسَّا يا ) .
(6) .. وهناك قراءة أخرى بتخفيف حرف السين، بمعنى أن الكلمة قد تغير جذرها اللغوى من ( مـ س س ) إلى
( مـ س ى ) ، و تلك كلمة أخرى تستخدم كصيغة لبعض الأسماء الإسرائيلية .. وحيث أن هذه القراءة تخالف
فى معناها ومبناها للكلمة التى نبحث عنها وفق كتابتها فى الأصــول اليونانية واللاتينية والآرامية فلن
أذكرها هنا لعدم الحاجة إليها .
(7) .. وقد سبق تفصيل هذه الملاحظة فى أول كتابى هذا عن أرض الجنوب .. وسأذكر هنا للقارئ مثالا واحدا
لأحد علماء المسيحية العرب المعاصرون وهو الخورى بولس الفغالى حين تكلم عن موقع مملكة سبأ اليمنية
فقال فى شرحه لإنجيل لوقا ( حـ 2 صـ 175 ) : " مملكة الجنوب ، ملكة التيمن .... هى ملكة شعب سامى
عاش فى شمال غرب عرابية بالقرب من تيماء ".. !! .
قلت : فهل بعد ذلك الجهل جهل .. !؟ فبدلا من أن يقول شعب عربى قال شعب سامى ، وبدلا من قوله جزيرة
العرب قال عرابية تبعا للغربيين ، ثم نقل إحداثيات اليمن من أقصى الجنوب الغربى إلى شمال غرب جزيرة
العرب فوضع المسكين اليمن عند خليج العقبة قريبا من حدود مصر .. !!
(8) .. Pictorial Encyclopedia of the Bible V4 page 117
(9) .. The International Standard Bible Encyclopedia V3 page 277
(10) .. ربما كان الاسم العربى الصحيح هو عجور أو عقور بدلا من أجور الأوروبى .
(11) .. النسخة العبرية المتداولة حاليا ، انتهى العمل من تصويت حروفها وضبط حركاتها ورسمها فى القرن العاشر
الميلادى . ولغة هذه النسخة هى العبرية الجديدة ، وهى نسخة لا يعتمد عليها كثير من علماء المسيحية
المعاصرون لكثرة الأخطاء بها ومخالفتها السبعينية فى مواضع عدة .
(12) ..... Bible Dictionary Page 763 The New
(13) .. قاموس الكتاب المقدس نشر دار الثقافة بالقاهرة ص 1080 .
(14) .. نسبة إلى الدولة المعينية العربية القديمة بجنوب الجزيرة العربيـة .
(15) .. The international standard Bible Encyclopedia V3 page 244
(16) .. راجع موسوعة : ( The international standard Bible encyclopedia V3 page 330 )
(17) .. المصدر السابق : (The international Standard Bible Encyclopedia V3 page 244 )
(18) .. تأمل جيدا فى تشكيل الاسم ( مَسِيَّا ) بفتح الميم وكسر السين مع تخفيفها ثم تشديد الياء . أى أنَّ الكلمة يمكن
كتابتها هكذا ( مَسِىَ ـ يا ) فجذر الشق الأول من الكلمة هو( م س ى ) وليس ( م س س ) .. !!
(19) .. تاج العروس لشرح القاموس المجلد الرابع ص 248 .
(20) .. انظر القاموس الأمريكى المشهورwebster’s والقاموس الإنجليزى المعروف cassell .
(21) .. وجملة ( الذى تسمونه مِسِّـيَّا ) وردت على لسان المرأة السامرية حين قالت للمسيح u : ( أنا أعلم أن
التاحب سيأتى و الذى تدعونه المِسِّيا ) . راجع إنجيل يوحنا ( 4 : 25 ) وشرح هذا النصّ فى دراستى هذه