قال القمص إبراهيم لوقا
"" وقد تساءل الرازي: كيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس؟ وأجاب أن هذا العمل ربما يكون قد صدر عن نفر قليل يجوز عليهم التواطؤ، والأصوب عندي أن الآيات الدالة على نبوّة محمد كانت تحتاج إلى تدقيق النظر وتأمل القلب، والقوم كانوا يوردون عليها الأسئلة المشوشة والاعتراضات المظلمة فتصبح هذه الآيات غامضة على السامعين، واليهود كانوا يقولون مراد الله من الآيات ما ذكرنا لا ما ذكرتم، فهذا هو المراد بالتحريف ولوي الألسنة ....ويتضح لنا من هذه الآية وتفسيرها:الشعور بصعوبة القول بتحريف الكتاب....... تحريف أهل الكتاب كتابهم مستحيل حسب إقرار الإمام الرازي."" ( صـ 35)
هل حقا قال الإمام الرازي باستحالة تحريف الكتاب المقدس
ليتبين لنا مدي تخبط القمص نتركه يجيبنا بنفسه
في نفس الصفحة التي زعم فيها القمص ان الرازي قال باستحالة تحريف الكتاب المقدس نفي عنه ذلك وقال
"" وجاء في النساء 4: 46: مِنَ الّذينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ... .ويقول الرازي في تفسيره ما ملخصه: إنّهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر، فإن قيل: كيف يمكن هذا في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب؟ قلنا: لعل القوم كانوا قليلين والعلماء بالكتاب غاية في القلة فقدروا على هذا التحريف. ""
وفي نفس الفصل قال القمص ( صـ 39 )
"" ثم قال الرازي: واعلم أنه يمكن تبديل وتحريف الكتب المقدسة بطرق شتى منها: 1 زيادة كلمات أو عبارات لم تكن في النص الأصلي. 2 - حذف كلمات أو عبارات كانت في الأصل. 3 - تبديل الكلمات أو العبارات وتعويضها بما ينافيها لفظاً ومعنى.
4 - تغيير بعض الألفاظ عند إلقائها على السامعين كي لا يستفيدوا ولا يعرفوا الحق المبين.""
انتهي كلامه
إضافة الي ذلك القمص أورد الآية 75 من سورة البقرة غير انه لم يستشهد بالرازي في هذه الحالة فلا باس من ان نذكر قول الرازى الذي قال
"" إن التحريف إما أن يكون في اللفظ أو في المعنى ، وحمل التحريف على تغيير اللفظ أولى من حمله على تغيير المعنى ، لأن كلام الله تعالى إذا كان باقياً على جهته وغيروا تأويله فإنما يكونون مغيرين لمعناه لا لنفس الكلام المسموع ، فإن أمكن أن يحمل على ذلك كما روي عن ابن عباس من أنهم زادوا فيه ونقصوا فهو أولى ، ""
إذن الرازي لم يقل باستحالة التحريف، وذلك علي لسان القمص نفسه وكل ما في الأمر انه قدم لنا قولين في التحريف واختار قول القائلين بالتحريف التأويلي, وذلك لأنه إفترض تطابق نسخ الكتاب المقدس, فإن ثبت إختلاف نسخ الكتاب المقدس لن يجدي الاستدلال بقول الرازي, إذ ان الاختلافات تفيد إن التحريف تم بدون تواطؤ, بحيث ان كل من شاء غَيَر ما شاء
ولقد ذكر القديس أغسطينوس،(St. Augustin) في كتابه مدينة الله، (The City of God 15:11 ) قولا قريبا من قول الرازي، في سياق حديثه عن الآراء السائدة في عصره، فذكر ان هناك من المسيحيين، من يتهم اليهود بالتحريف المتعمد بسبب اختلاف نسختهم عن السبعينية ويجدون صعوبة في قبول احتمالية تواطؤ المترجمين السبعين ويقولون ان اليهود حرفوا في نسخهم كى تفقد نسخ الكنيسة المصداقية [1]
وأضاف أغسطينوس قائلا
وليتبني كل طرف الرأي الذي يناسبه ولكن الذي لا شك فيه ان متوشالح لم ينج من الطوفان (انظر النص الإنجليزي )[2]
وأمام الاختلافات الكثيرة لم يجد القديس اغسطينوس مفرا من الإقرار بوقوع تحريفات متعمدة ففي كتابه عن العقيدة المسيحية (On Christian Doctrine 4:7 ) ذكر صراحة ان السبعين غيروا نصوص العهد القديم[3] لاسباب فكرية، تحديدا لتاييد مدرسة التفسير الرمزي (انظر النص الإنجليزي ) [4]
إختلاف نسخ الكتاب المقدس أمر مفروغ منه لا ينكره إلا مضحوك عليه لم يتطلع سوي علي ترجمة كنيسته أو معاند ختم الله علي قلبه ولإقامة الحجة سوف نورد مما سبق أن ذكرتاه في الفصل المعنون ب "" من حرفه ؟؟ متى؟؟ وأين ؟؟"
يقول العلامة أوريجانوس في رسالته إلي يوليوس الأفريقي ( A Letter from Origen to Africanus )
" ولا تحتوي النسخة العبرية أيضا علي الفقرات التي قلت أنها في آخر الكتاب تلك التي تتحدث عن تاريخ بآيل و التنين في دنيا ’ ليست فقط تلك الفقرات بل آلاف الفقرات, ولقد أدركت ذلك عندما كنت بإمكانياتي الصغيرة أجمع النسخة العبرية مع نسختنا. "[5]
و يقول في نفس الرسالة
وفي سفر دنيا نفسه وجدت كلمة ( أوثق ) تلتها نصوص كثيرة في نسختنا ولا توجد في النسخة العبرية نهائيا.بدأ ( حسب بعض النسخ المتداولة في الكنيسة ) من " وصلي حننيا و عزريا و ميشائيلو ورنموا للرب " إلي
باركوا يا جميع القانتين الرب اله الآلهة سبحوا و اعترفوا لان الى الأبد رحمته وحينئذ سمعهم الملك وهم يترنمون " ."
( المصدر السابق )
ثم يقول
" وفي أماكن أخري كثيرة في الكتاب المقدس وحدت إضافية توجد في نسختنا ولا توجد في النسخة العبرية وأحينا وجدت نسختنا تنقصها نصوصا نجدها في العبرية, وسف أقدم عدو أمثلة حيث يصعب ان أذكر كل النصوص "
( المصدر السابق )
ويقول
" و في سفر أيوب, العبارات " مكتوب انه سوف يقوم مرة أخري مع الذين يقيمهم الرب " إلي النهاية, هذه العبارات ليست في النسخة العبرية ولا في نسخة أكيلا اليونانية بينما توجد في الترجمة السبعينية ونسخة ثيودوشن ويتوافقان معا علي الأقل في المعني "
( المصدر السابق ) ويضيف
" وقد وجدت في أماكن كثيرة في سفر أيوب نصوص إضافية في نسختنا, هذه الإضافات أحيانا صغيرة وأحيانا كثيرة كثرة هائلة "
اقرا الرسالة بالعربية إعتراف أوريجانوس بتحريف الكتاب المقدس
القديس جيروم وهو أيضا من كبار جهابذة النصارى فى القرن الرابع والخامس وقد قام بترجمة الكتاب المقدس الي اللاتينية وهي الترجمة المعتمدة للفاتيكان -
يقول القديس جيروم في مقدمته للعبرانيين ( Preface to the Book of Hebrew Questions)
" كما ان يوسفوس المؤرخ اليهودي أخبر أن المترجمين ترجموا فقط أسفار موسى الخمسة ومن الواضح أن الأسفار الخمسة أكثر الأسفار انسجاما من نسختنا بينما ترجمات أكيلا , سيمشيس وثيودوشن تختلف اختلافا كبيرا عن النسخة التي نستخدمها "[6] المقدمة بالعربية القديس جيروم يتهم اليهود بالتحريف
لقد بينا موقف الإمام الرازي الذي عرض لنا أكثر من رأي ومن الواضح أنه تردد في المسألة وان كان يميل إلى وقوع التبديل، ويرجع تردده إلى ظنه بتطابق نسخ الكتاب المقدس، وإذ أثبتنا عدم تطابق نسخ الكتاب المقدس نكون قد أبطلنا الاحتجاج بالتواطؤ ، أي أنه لم يكن هناك تواطؤ فقد غير من شاء ما شاء فاختلفت النسخ، وثبت التحريف
محمود أباشيخ
من سلسلة ضد المسيحية في الإسلام ردا علي القمص إبراهيم لوقا 14
--------------------------------------------------------------------------------
[1] St. Augustin,The City of God. in "The Nicene and Post-Nicene Fathers" Vol. II Page 292
[2] They say that it is not credible that the seventy translators, who simultaneously and unanimously produced one rendering, could have erred, or, in a case in which no interest of theirs was involved, could have falsified their translation; but that the Jews, envying us our translation of their Law and Prophets, have made alterations in their texts so as to undermine the authority of ours. This opinion or suspicion let each man adopt according to his own judgment. Certain it is that Methuselah did not survive the flood
[3] St. Augustin,On Christian Doctrine. in "The Nicene and Post-Nicene Fathers" Vol. II Page 580
[4]I shall not, however, follow the Septuagint translators, who, being themselves under the guidance of the Holy Spirit in their translation, seem to have altered some passages with the view of directing the reader’s attention more particularly to the investigation of the spiritual sense
[5] Roberts, A., Donaldson, J., & Coxe, A. C. (1997). The Ante-Nicene Fathers Vol. IV Page 386 - 392
[6] Schaff, P. (1997). The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series Vol. VI. P 486
الرجوع الي الرد علي شبهات النصاري
الرد علي القمص إبراهيم لوقا
ردود محمود أباشيخ علي شبهات النصارى