
لا يعرف أحد تحديدا متى ولد إله النصارى ولكن كل الطوائف المسيحية تحتفل بعيد ميلاد المسيح وبالأمس كان اليوم الذي حدده الكاثوليك لميلاد الإله الذي تجاوز الآن الألفين سنة، وبينما يحتفل الكاثوليك ويغنون عيد ميلاد سعيد يا إله في ساحة القديس بطرس، إذا بسوسنة تقفز قفزة سريعة وتخترق الحواجز الحديدية فتمسك بجبة البابا بنديكتوس وتهوي به علي الأرض
سوسنة لم تراع سن البابا ولعلها قارنت عمره بعمر صاحب الحفلة الصاخبة فحسبته غلاما صغيرا إذ ان بين البابا بنديكتوس وإله البابا 1930 سنة تقريبا، ولا غرابة ان تري سوسنة الأمور بهذا الشكل فهي في الآخر مجنونة أو مصابة بمرض عصبي بلغة الأطباء
أما الحرس الخاص للبابا فلم يعبه كثيرا لجنونها ولم يرق قلبهم في يوم عيد ميلاد الإله، فقفزوا عليها قفزة الأسود علي الغنم وطرحوها أرضا – وصعد البابا علي منصته ليبدأ في وعظته وكانت آثار الصدمة بادية عليه فقد تلعثم كثيرا علي غير عادته وكانت ركبه ترتعش حتي انه نسي ان يستغل فرصة الهجوم عليه ليطبق تعاليم الكتاب المقدس التي تقول " أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم – ولم يبارك البابا سوسنة ولم يخبر انه يحبها
أما الفاتيكان وكاردينالات الفاتيكان فقد ركزوا في مناقشة الخلل الذي تسبب في ازعاج البابا بنديكتوس ولم يصل احد لسوسنة المريضة، كما يوصي الكتاب المقدس، ومن خلال نقاش الفاتيكان مسألة الأمن عرفننا ان الأمن الخاص بالبابا مكون من ثلاثة قوات وهي الحرس السويسري وقوات الشرطة الفاتيكانية بالإضافة إلي قوات الشرطة الإيطالية، وهذا جعلني أتساءل ما دور الموعظة علي الجبل في حياة البابا بنديكتوس ؟ هل وصايا الموعظة واجبة التطبيق أم هي مجرد كلمات تستخدم في حالة التبشير بالمسيحية وبمحبة المسيحية الفائقة
إن الكتاب المقدس يخبرنا ان يسوع قال في موعظته علي الجبل
لا تقاوموا الشر.بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضا
أحبوا أعداءكم.باركوا لاعنيكم.أحسنوا الى مبغضيكم.وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم
وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر.بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضا.
ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا
إن البابا يردد هذه الكلمات ويوصي المسلمين بها خاصة المقاومون للعدوان الصهيوني والأمركي، ويرددها معه المنصرون في شتى بقاع الأرض ولكن عندما سقط البابا كانت هناك ثلاثة ألوية مدججة بالسلاح مستعدة لإطلاق النار في أية لحظة حتي إن أدت إلي ازهاق أرواح بريئة، والكتاب يعلمنا ( لا تقاموا الشر أحبوا أعدائكم ) انها القاعدة الذهبية كما يسميها الأب متى المسكين [1]ولكن لما سقط البابا كانت الأصابع علي زند البنادق
يقول البابا شنودة الثالث في كتابه حروب روحية إن الذات تريد أن تأخذ حقها ، وتأخذه بنفسها ، وهنا على الأرض ، وبسرعة على قدر الإمكان
أما تعليم الرب لنا في إنكار الذات فيقول لنا فيه :
" لا تقاوموا الشر " ( مت5 : 39 ) .[2]
لقد سقط البابا بنديكتوس سقطتين، سقطة على الأرض علي يد سوسنة المجنونة وسقطة في عيون المحبين، وذلك بتنكره لتعليم يسوع المسيح، وحاليا وكيل النيابة الفاتيكاني يجهز ملف محاكمة سوسنة خلال الأسبوعين القادمين وفقا لرئيس محكمة الفاتيكان السيد جوسيبس ديلا توري (Giuseppe Dalla Torre ) وعن مثل هذا الرد الفاتيكاني يقول البابا شنودة "
وهنا يكون قد انتقم. ويكون قد كسر وصيه الرب القائلة : " لا تقاوموا الشر .. " ( مت5 : 39 ) ويكون قد كسر أيضاً الوصية القائلة : " لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء .. " ( رو12 : 19 ) ويكون قد ابتعد عن المحبة التي من أوصافها أنها " تحتمل كل شئ " وأنها " لا تطلب ما لنفسها " ( 1كو13 : 7 ، 5 ) .[3]
وللتو بلغني خبر جديد يفيد بأن البابا بنديكتوس أخيرا أعلن سماحه لسوسنة ولكن هل سوف تحاكم أم لا فلا نعلم بعد غير ان الجرائد الإيطاليا تذكر ان محاكمتها سوف تنتهي بالفشل بسبب مرضها، ومهما كان الأمر فان البابا لن يتنازل عن الألوية الثلاثة التي تحرسه ولن يخضع لنص الكتاب المقدس
لا نطالب البابا بينديكتوس ولا البابا شنودة بالتخلي عن الحرس المدجج بالسلاح، ولا نطلب منهما إدارة الخد الآخر ولا نطالب البابا شنودة بالتوقف عن رفع القضايا في المحاكم المصرية ولكن نطلب التوقف عن التبجح بوصايا سخيفة لا يطبقها احد، وعندما نقول لا أحد فنعني لا أحد ولا حتي يسوع، فهو أيضا لم يدر خده عندما لطمه احد الحراس ووبخه قائلا أهكذا تكلم رئيس الكهنة
ولا أدري كيف كلم إله النصارى رئيس الكهنة حتي يلطمه احد خدام رئيس الكهنة ولكن نعلم ان إله النصارى اعترض وقال : ( كنت قد تكلمت رديّا فاشهد على الردي وان حسنا فلماذا تضربني ) يوحنا 18/23
ويحضرني قول القس منيس عبد النور في كتابه ( شريعة المسيحية نحو الإرتقاء الروحي ) ، يقول فيه " فالمؤمن الحقيقي هو الذي لا يقاوم دفاعاً عن حقوقه، في سبيل السلام " [4] ) ."
ونتساءل – من هو المؤمن الحقيقي في المسيحية اذا كان لم يوجد احد لم يقاوم في تاريخ المسيحية، فها هو يسوع يقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام ( مت 21/12 ) ويتوعد بقتل الأطفال (وأولادها اقتلهم بالموت ) رؤية 2/23 بينما بولس يحدث نفسه بالانتقام فيقول " يا ليت الذين يقلقونكم يقطعون أيضا " ( غلاطية 5/12 ) ويوجب سد أفواه الطوائف المسيحية المخالفة له في الرأي (الذين يجب سد أفواههم ) تيطس 1/11)
يوجد من لا يفسرون هذه النصوص السخيفة تفسيرا حرفيا ومن هؤلاء المفسر آلبيرت بانز الذي يري ان المسيح لم يقصد من هذه النصوص عدم مقاومة الشر في كل الأحوال لأن ذلك يكون ضد كل القوانين الإلهية والوضعية [5]
وقول المفسر آلبيرت بانز قول موزون ولكن لا نسمعه كثيرا لأنه لا يربح منه المسيحيون في الحروب المفروضة علي المسلمين، يا أيها المسلمون .. قد قيل لكم لا تقاوموا الشر أما أنا فأقول لكم أقتلوهم للهلاك وللبابا بنديكتوس نذكره بالقول الرائع المنسوب الي يوحنا اللاهوتي ( يا اولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق ) 1يو3/18 ) وما أروع قول يوحنا
محمود أباشيخ
[1] متى المسكين، شرح انجيل القديس متى ص 251
[2] شنودة الثالث، الحروب الروحية. ص 30 الكلية الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس, مطبعة الأنبا رويس ـ القاهرة . 1986
[3] المصدر السابق. ص 127
[4]منيس عبد النور ، شريعة المسيحية نحو الإرتقاء الروحي الفصل 6
[5] Albert Barnes, Notes on the new testament: Matthew and Mark. P 59 Baker books Michigan 1998
الرجوع الي خربشات صوماليانو